برهان قاعدة قاعدة السببية استنباط وليس استقراءاً
الاستقراء: هو فعل قراءة يتعلق بتفاصيل حدث معين ومن ثم استخدام تلك المعلومات الثابتة اللازمة له وتعميمها إلى كل ما هو من جنسه، ولذلك قال العلماء في تعريفه : هو انتقال في الحكم من الجزء إلى الكل لوحدة النوع أو الجنس.
وأشهر الأمثلة على ذلك هو: إن تعرض الحديد لدرجة حرارة معينة يتمدد، وجربوا ذلك على كثير من قطع الحديد فرؤوا أن النتيجة واحدة وهي التمدد للحديد في حال تعرض للحرارة، وجربوا أيضاً عشرات المرات على غير الحديد مما له خواص المعدن فحصلوا على النتيجة ذاتها، فخلصوا إلى مقولة عامة ثابتة في نوعها وجنسها وفق معطيات معينة وهي:
الحديد يتأثر بالحرارة ــــــــــــــــــــــــــ مقدمة أولى
الحديد من جنس المعادن ــــــــــــــــــــــ مقدمة ثانية
المعادن تتأثر بالحرارة ـــــــــــــــــــــ نتيجة استقرائية ثابتة تتعلق بكل جنس المعدن في أي مكان وُجد بشرط امتلاكه لخواص المعدن محل الاستقراء مع نفي الموانع الخارجية.
وهذا الاستقراء الذي يتعلق بتأثر المعادن عموماً في حال تعرض لدرجة حرارة معينة لا يمكن أن يعتبر حقيقة كونية مطلقة لانتفاء الاستقراء التام لكل المعادن في الوجود 100%، ويبقى هذا الحكم هو حفظ لخط الرجعة مهما تضاءل الاحتمال ولو كان حالة افتراضية ويصير النسبة لهذا الحكم هو 99،9999%، ويكون الحكم الأول هو استقراء ناقص وثابت نسبياً لمحل الدراسة ويأخذ العلم به، ويصرف النظر عن نفي الحقيقة المطلقة عنه لفرضيتها منطقياً.
مع العلم تم حديثاً اكتشاف معدن إن تعرض للحرارة الساخنة يتقلص، ولكن لاحظوا ثبات قاعدة التأثر إذا تعرض لمؤثر خارجي لم تنقض وهي يقينية .
الاستنباط : القيام بالبرهنة أو الاستدلال على نتيجة استناداً إلى اليقين والضرورة من مقدمة أو أكثر عن طريق قوانين المنطق ، والنتيجة الاستنباطية هي سلسلة من القضايا السابقة ، وفي النتيجة المستنبطة تكون العلل كامنة في المقدمات ، وما علينا إلا أن نستخرجها عن طريق مناهج التحليل المنطقي .
ولا يشترط للاستنباط أن يكون من الكلي إلى الجزئي، والاستنباط بصفة عامة يشير إلى أي استنباط أو استدلال .
مثلاً:
كل البشر هالكون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مقدمة عامة ثابتة
زيد كائن بشري ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مقدمة خاصة ثابتة
زيد هالك ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نتيجة حكمية استنباطية ثابتة
ويمكن أن نعكس عملية الاستنباط
زيد كائن بشري ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مقدمة صغرى خاصة
البشر هالكون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مقدمة كبرى عامة
زيد هالك ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نتيجة استنباطية
الحكم الذي يصدر من طريقة الاستنباط قطعية الثبوت وصواب 100% في حال صحة المقدمات قطعاً.
يقوم الوجود على الحركة بشكل لازم لعناصره وتراكيبه، والحركة هي بُعد لازم للشيء الموجود سواء أكان مادة أو طاقة بصرف النظر عن كونها فوق الذرة أو تحت الذرة فهي لاشك حادثة، وهذا يوصلنا إلى أن الشيء الموجود هو حادث متحرك، ومن خلال ملاحظتنا لعمليات الاستقراء المختلفة والمتعددة لكل ما حولنا من الأشياء نجد قاسماً مشتركاً بينها جميعاً لا يتخلف أبداً رغم أن نتيجة الاستقراء كحكم من النوع الناقص وهو ثابت نسبي (المعادن إن تعرضت للحرارة (سخونة أو برودة تتأثر) إلا أن هذه الملاحظة موجودة لزوماً بكل عمليات الاستقراء التي نجريها على مختلف الأشياء ،ألا وهي إن تعرض الشيء لمؤثر خارجي يترتب عليه تغير في الشيء ذاته بصرف النظر عن النتيجة فما لم يتأثر بالحرارة يتأثر بغيرها، وهذه النتيجة حصلت من خلال الاستنباط من سلسلة قضايا ثابتة قطعاً وهي حكم معرفي، بمعنى أن لو افترضنا أننا وجدنا معدناً لا يتمدد بالحرارة، فهذا لا ينفي عنه تغيره في حال تعرض لمؤثر خارجي غير الحرارة لأن صفة الحدوث والحركة لازمة له، فقاعدة التأثر والتغير بسبب تدخل مؤثر خارجي غير النتيجة التي وصلنا إليها من الاستقراء بتأثر المعادن إذا تعرضت إلى الحرارة، وهذا يعني ثبات قاعدة التأثر لابد له من مؤثر خارجي لزوماً وهي قاعدة كونية مطلقة، بطريقة الاستنباط وليس بطريقة الاستقراء وهي ذات معنى مقولة: لابد لكل حادث من مُحدث لزوماً.
عندما نلاحظ في الواقع كتجربة أن كل فعل له سبب وفاعل على مختلف تنوع الأفعال ولا تتخلف هذه القاعدة أبداً، وكل حركة لابد لها من قوة تحركها، بصرف النظر عن معرفة الفاعل أو القوة ،ولا يتخلف ذلك أبداً نستقرئ ونستنبط أن الفعل لابد له من فاعل ضرورة لازمة استقراء تاماً واستنباطاً قطعياً، ولا يصح أن نفترض أنه يمكن أن يوجد أفعال تحصل دون فاعل في خارج محيطنا المعرفي مثل افتراض الأكوان الموازية ، لأن هذا افتراض ذهني لا قيمة له ولا يصح التعامل معه ولا نقاشه لأنه خلاف الحقيقة ، ولا وجود لشيء خارج الزمان والمكان سواء أكان ضمن دائرة المعرفة الإنسانية أو لم يدخل بعد لدائرة المعرفة، وسواء وُجد أكوان متوازية أم لم يوجد فهي داخلة في مفهوم الوجود الحادث ضرورة وبصرف النظر عن تغير الشكل أو القوانين النسبية التي تحكمها، وقاعدة السببية تشملها، فالقاعدة ثابتة استقراء واستنباطاً، وتصح على كل ما يوصف بالفعل والحدوث أينما وجد، وإن أردت افتراض نفي قاعدة السببية عن وجود معين فهذا يلزمك إثبات وجود غير حادث وبالتالي خارج الزمان والمكان ، ونحن نثبت ذلك للخالق فهو الوحيد الأزلي والسرمدي خارج الزمان والمكان ولا ينطبق عليه قاعدة السببية التي تتعلق بالفعل الحادث.
فهل عند هؤلاء الشيء الحادث له قاعدتين ؟
شيء حادث معلوم يطبق عليه قاعدة السببية وهي ثابتة، وشيء حادث غير معلوم يفترضون نفي قاعدة السببية عنه أو يشكون في وجودها ؟
ألا تلاحظون أنهم يناقشون أمراً ذهنياً يفترضوه ويريدون بناء على ذلك أن يثبتوا وينفوا أو يجعلوا اليقين ظناً.
ولذلك ينبغي أن نفرق بين الحكم الاستقرائي المتعلق بشيء مادي واحد فهو ثابت نسبي وناقص، وبين الحكم العقلي الذي يتعلق بكل الأفعال دون استثناء وهو استقراء تام و استنباط قطعي فهو حكم ارتقى من الواقع المادي إلى قاعدة عقلية يقينية عامة مطلقة منفصلة عن الشيء المادي مثل قاعدة لابد لكل فعل من فاعل ، ولابد لكل رجحان من مرجح.
اضف تعليقا