الزمن بين

 الفلسفة و الفيزياء

الزمن لا وجود له بشكل مستقل في الواقع وإنما وجوده وجود تجريدي يظهر في الواقع إذا ارتبط بحركة المادة ويسمى وقت بدء الحركة وسيرها وانتهائها، والوقت نسبي ويختلف حسب سرعة كل حركة ونظامها، ولا يمكن أن يختفي كلياً.

ولا يوجد دليل على أن للزمن وجود موضوعي مستقل عن حركة المادة خارج الذهن، وما قيل بذلك الشأن من أن التمدد والانكماش هما صفة للمادة، والزمن ينكمش ويتمدد فهو إذن مادة وله وجود موضوعي، شيء غير مُسلم به لأن من المعلوم أن طول الزمن وقصره أمر عائد إلى سرعة الحركة ذاتها، فإذا زادت سرعة الحركة استغرقت وقتاً أقصر من سرعة الحركة البطيئة.

لا يصح القول بتوقف الزمن ، ولا بتوقف الوقت فكلا القولين غير صواب لأن ذلك يقتضي توقف الحركة وسكونها، والكون يقوم على الحركة الدائمة واللازمة له ، ولاشك أن الحركة حينما تزداد سرعتها يتقلص وقتها عن الحركات الأخرى البطيئة لدرجة اختفاء رصد التغيرات وانتفائها، ومثل ذلك كمثل حركة دوران شفرات المروحة، فلو وصلنا الكهرباء بها ودارت نجد أن الفاصل بين الشفرات تقلص نظرياً لنا واختفى من عملية الرصد، ولو قمنا بتسريع حركة المروحة إلى درجة كبيرة تختفي الشفرات ونصير نرى ما وراءها رغم أن الشفرات مازالت موجودة وتتحرك بشكل متتابع ويستغرق كل حركة منها وقتاً خاصا بها، ونفترض أن سرعة دوران المروحة بلغت سرعة الضوء فهذا يقتضي اختفاء المروحة وتحولها إلى ضوء ويستحيل أن يختفي الوقت ويصير صفرَا طالما يوجد حركة تحصل بشكل متتابع، ولكن يمكن أن يخرج الوقت من دائرة معرفتنا وتوقيتنا النسبي فنقول عنه مجازًا: صار الوقت صفرَا، وذلك لأنه خرج من دائرة الدراسة الفيزيائية لانتفاء التغير الكيفي في طبيعة الحركة وتتابعها على وتيرة واحدة دون أي تغير في الواقع كمثل انسياب ماء النهر ، فيقول الفيزيائيون عن هذه الحالة أن الزمن توقف وصار صفراً، ولكن في الحقيقة مازال ماء النهر يتحرك وله وقت خاص به دون ظهور تغير كيفي بين حركة وأخرى حتى يتم رصدها، ولذلك علماء الفيزياء يعرضون عن الخوض في تلك المسألة لخروجها عن دائرة البحث الفيزيائي  وانتقالها إلى دائرة الفلسفة .

وطالما الزمن ينتج عن الوقت الذي تستغرقه الحركة كبداية واستمرار ونهاية ،فهذا يعني لا وجود للزمن وحده بشكل موضوعي حتى يتم سبقه أو نرجع فيه إلى الخلف .

ولكن يمكن لمن يصير سرعة حركته كبيرة جداً أن يتجاوز كائناً سرعته بطيئة فيصل إلى المقصد ويعود ليراقب حركة الكائن البطيء.

وعلى سبيل المثال لو أن حافلتان انطلقتا بوقت واحد من دمشق إلى حلب الأولى سرعتها مائة (كم) والأخرى ألف (كم) فسَوف تصل الثانية قبل الأولى بوقت كبير. فلا نقول أن الزمن انكمش فالزمن زمن لم يتغير وكل ما في الأمر أن السرعة زادت وبازدياد السرعة يتسارع الزمن المنسوب إلى الأرض فإذا زادت السرعة أكثر بحيث بلغت سرعة الضوء يتصور الإنسان أن الزمن توقف والأمر ليس كذلك، وإنما الأمر هو أن سرعة الضوء هي أكبر سرعة اكتشفها الإنسان فبالتالي يقيس كل السرعات عليها فإذا بلغت سرعة حركة ما سرعة الضوء يفقد الإنسان الأمارات التي كان يقيس بها سرعة الحركات التي لم تبلغ سرعة الضوء نحو الشمس والقمر والليل والنهار…الخ وما شابه ذلك من أمارات يظهر الزمن من خلالها في الواقع ويسمى وقتاً فنقول: وقت شروق الشمس ووقت غروبها وقت الليل وقت النهار…الخ فإذا بلغت سرعة الحركة سرعة الضوء تجاوزت كل الأمارات التي ينسب الإنسان إليها الوقت فيظن أن الزمن توقف والأمر ليس كذلك وإنما هو اختفاء الأمارات النسبية والتغيرات الكيفية التي يقيس بها الإنسان سرعة حركة الأشياء التي هي دون سرعة الضوء فإذا بلغت السرعة سرعة الضوء لم يعد موجود مقياسَا زمنيَا عند الإنسان سوى سرعة الضوء ذاتها وكل ذلك إنما هو على شريط الزمن، ومثل ذلك كمثل التعداد الحسابي فسواء كان العد بطيئاً أم بلغ سرعة كبيرة فلا يعني أبداً إلغاء النظام الحسابي ولا نقول انه انكمش أو تمدد أو توقف فالعد مازال قائماً مهما بلغت سرعة العدَّاد لم يتغير سواء كان بطيئاً أم سريعاً.

فالحدث عندما يحدث في الوجود يحدث بوقت معين ويستغرق فترة زمنية معينة ولكن تحديد هذه الفترة الزمنية يختلف للمحدد حسب المكان الذي هو فيه وحسب الأمارات التي يستخدمها في التوقيت ولكن مما لا خلاف فيه أنه حصل هذا الحدث على شريط الزمن.

وقد يقول قائل: أن الزمن هو الذي يُهلك الأشياء وبالتالي يظهر أثره على الشيء فيقال للرجل الطاعن في السن ظهر عليه أثر الزمن. والواقع أن هذا الكلام مجازي وليس حقيقة لأن الهلاك صفة ذاتية للشيء قائم في بنيته من خلال الصراع الجدلي الموجود فيه ويحصل ذلك على شريط الزمن فالأشياء تهلك نتيجة حركتها الجدلية في الزمن وليس الزمن يُهلكها.

وعندما خلق الله الشيء كان ذلك له بداية قطعاً ومن صفات الشيء الحركة، وواقع الحركة هو حركة حدثت وأخرى تحدث وأخرى ستحدث والزمن يظهر من خلال حركة الشيء لا وجود مستقل له إلا بشكل تجريدي وبذلك كان الزمن حسب حركة الشيء. ماض وحاضر ومستقبل وأخذ الزمن صفة الشيء من حيث أن له بداية وليس له نهاية لأن من المعلوم أن المادة لا تفنى وإنما تتحول من شكل إلى آخر.

فلذا؛ للزمن وجود بالنسبة لصفات الله الفعلية وليس الأزلية لأن الصفات الفعلية حادثة أي يوجد أفعال لله حدثت وأفعال تحدث وأفعال ستحدث وهذا مدرك بالنسبة لمن تمعن بخلق الله، ومن هذا الوجه ظهر ما يسمى بتاريخ أفعال الله.

قال تعالى:

{أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }النمل64

{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }النحل8

{وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً }نوح14

{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ }التوبة36

{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ }الحج47