يحرم على المرأة تعدّد النكاح

من المعلوم أن المُشَرِّع قد أباح للرجل تعدّد النكاح من الأرامل، والمُطلّقات، وذوات الحاجات الخاصة، وما شابه ذلك، من أجل ترميم خلايا المجتمع، وحِفْظ توازنه، ولتعويض اليتامى عن والدهم بأبٍ جديد، يعتني بهم، ويقوم مقام الوالد من حيث التربية والتنشئة،(العناية بالأمّ، وأيتامها)، قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ } [النساء: 3].

فالأصل في الزواج هو حالة الثنائية بين ذَكَر وأنثى، أمَّا التعدُّدية في النكاح بالنسبة للرجل؛ فهي حالة استثنائية ظرفية، وليست أصلًا، وقد وضع المُشَرِّع حدًا أعلى لهذه التعدّدية المشروطة بالعدل بين الأبناء اليتامى، وعدم أكل أموالهم من والدهم، وامتلاك المقدرة المادية على إعالة الجميع، هو أربع نساء فقط؛ أمَّا التعدّد بالزواج من النساء عمومًا غير هؤلاء؛ فقد سكت المُشَرِّع عن ذلك، فيكون حُكْمه الإباحة بناء على الأصل مع عدم الحَضِّ عليه، ولا يأخذ حُكْم الندب، فهو مباح كغيره من المباحات، وتنظيم ذلك مَنْعًا، أو سماحًا، متروك للمجتمع، حسب ما يراه مصلحة له، وللمرأة.

والسؤال الذي يفرض ذاته في هذا الموضوع هو: هل يُباح تعدُّد النكاح بالنسبة للمرأة مثل الرجل؟ أم حرَّم المُشَرِّع ذلك عليها؟ ولمعرفة ذلك ينبغي دراسة دور الرجل والمرأة، وعلاقتهما مع بعضهما في الحياة الاجتماعية.

إن الدارس لطبيعة حركة الرجل والمرأة، وعلاقتهما مع بعضهما في الحياة الاجتماعية، يلاحظ أن الرجل هو بمثابة النواة للذَّرَّة، والمرأة بمثابة الإلكترون والبروتون في الذَّرَّة، يدوران حول النُّواة، مرتبطان بعلاقة لازمة تشدُّهما إليها، وتحكم حركتهما، وتحافظ عليهما، وكذلك حركة الرجل في المجتمع، فهو في مقدمة الحياة الاجتماعية، يدافع عن المرأة، ويحميها، ويؤمّن لها العناية، وذلك لأهميتها في الوجود، من حيث قيامها في حفظ وإدارة البنية التحتية للأسرة، وتعلّق الأطفال بها، فالمرأة مديرة للأسرة، وفق قيادة الرجل؛ ليشكّلا – مع بعضهما – فريقًا واحدًا، يقوم ببناء الأسرة، ويكونان ركنَيْن، يرفعان سقف الأسرة؛ فكما أن الذَّرَّة لها نواة واحدة، وإلكترونات متعدّدة، كذلك الرجل أُبيح له التعدّد؛ لتماثل حركته مع حركة النواة والكترونات، وحُرِّمَ التعدّد على النساء؛ لتماثل حركتهنَّ مع الإلكترونات حول نواة واحدة، ونزل الشرعُ يُنظِّم علاقة الرجل بالمرأة، بصورة منسجمة ومتناغمة مع حركة الكون، فعاملَ الرجلَ مثل نُواة الذَّرَّة، وعامل المرأة مثل الإلكترون؛ ليشكِّلا – مع بعضهما – وحدة انسجامية، فالنواة وحدها ليست ذَرَّة، وكذلك الإلكترون وحده ليس ذَرَّة، وحتى تصير الذَّرَّة ذَرَّة لابد من اجتماع العنصرَيْن مع بعضهما بعضًا؛ ليصيرا ذَرَّة، وكذلك الرجل والمرأة، فالواحد منهما لا يُمثِّل الإنسان كاملًا، وإنما هو شطر إنسان، ولا بد له من الشطر الآخر؛ ليُكمل في نفسه وجسده صفة الإنسان، ويقوم بدوره على أكمل وجه من حيث وجود الوالد والوالدة، والأب والأمّ، والرجل والمرأة، والذَّكَر والأُنثى؛ فكما أن الإلكترون لا يدور إلا حول نواة واحدة، فكذلك المرأة لا تنكح إلا رجلًا واحدًا؛ قال تعالى{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } [المؤمنون: 56].

فالخطاب في صدر النصّ هو { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } [المؤمنون:1]. ذُكُورًا وإناثًا، وهذا الخطاب مستمرّ إلى آخر الصفات، وما ينبغي إبعاد النساء من الخطاب دون قرينة، وبناء على شمولية الخطاب يحرم تعدّد النكاح بالنسبة للنساء، بدلالة مجيء كلمة (rr&) في النصّ {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ }، ودلالة (rr&) في النصّ هي للتخيير، وليست للإباحة، فالمرأة إمَّا أنْ تنكح زوجها، أو إنْ كانت عازبة تنكح ملك يمينها، بشروط مذكورة في سورة النساء (آية 24)، أمَّا الرجل؛ فقد سمح المُشَرِّع له بالتعدّد في النكاح في نصٍّ آخر {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ } [النساء: 3].

بخلاف تعدّد النكاح بين الزوجة وملك اليمين؛ فقد حرِّم ذلك عليه مثل النساء تمامًا؛ لأن نكاح ملك اليمين هو لتحقيق الإحصان، وهو محصن بالزواج؛ قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا }{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } [النساء: 2324].

وفي هذا النصّ يذكر المُشَرِّع محرّمات النكاح على الرجل من النساء، وأنهاهم بذِكْر {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء} [النساء: 24].

والإحصان للنساء في الخطاب القرءاني على وجهَيْن:

الأول: إحصان اجتماعي منعة وعفَّة وأخلاق؛ نحو قوله تعالى:

{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [النور: 4].

الثاني: إحصان نكاح وزواج؛ نحو قوله تعالى:

{… فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النساء: 25].

والمحصنات المذكورة في محارم النكاح غير مقصود إحصان المنعة والعفَّة والأخلاق بهنَّ قطعًا؛ لأن هؤلاء النساء العفيفات يُباح نكاحهنَّ، ممَّا يدلُّ – ضرورة – على أن المقصود بكلمة (المحصنات) في نصّ تحريم النكاح هنَّ النساء المتزوّجات، وبما أن الأمر كذلك، ممَّا يؤكّد حُرمة تعدّد نكاح الرجال بالنسبة للمرأة، وذلك فهما من تحريم نكاح المتزوّجة على الرجال، أمَّا جملة (إلا ما ملكت أيمانكم)، فالاستثناء عائد إلى بداية النصّ حرمت عليكم)، وليس إلى جملة (والمحصنات من النساء) كما قيل في التراث.

3- قال تعالى{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النساء: 2425].

بصرف النظر عن دراسة موضوع نكاح المتعة – المأجور – فالنصّ يشترط عملية الإحصان للنساء؛ أيْ: عدم تعدّد نكاح الرجال لها في وقت واحد، وتحريم الانتقال من رجل إلى آخر عليها؛ وذلك عندما قال تعالى: {غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء: 25]. والسّفاح هو تعدّد نكاح المرأة من قِبَل الرجال، والانتقال بينهم.

الخلاصة:

يحرم على النساء تعدّد نكاحهنَّ للرجال بأيّ صورة كان النكاح، سواء أَكان نكاح زواج، أم نكاح متعة وإحصان. وبذلك؛ يظهر لنا انسجام الشرع الإلهي مع الواقع، من حيث التطابق والتناغم الكوني الاجتماعي.

وبعد هذه الدراسة المختزلة، يظهر سؤال مُلحّ جدًا؛ وهو:

هل يُباح للمرأة المتزوّجة من رجل لا يستطيع ممارسة النكاح معها  لعلّة مُزمنة به، من الزواج بغيره، مع بقاء الزوج الأول في حياتها الأسرية؟

والجواب – حسب دلالة النصوص – أن تحريم التعدّد مرتبط بعملية النكاح، فإن انتفت عملية النكاح عن الرجل، صار الزوج مثل الأخ، من حيث الحبّ، والمودّة، وبالتالي؛ فالأصل في الأشياء الإباحة إلا النصّ، ولا يوجد نصّ يُحرِّم على المرأة أن يكون في حياتها أكثر من زوج، بشرط أن يكون زوج النكاح واحد فقط، والآخر زوج اجتماعي، فاقد لصفة ممارسة النكاح، بصورة مزمنة لمرض، أو غيره، وهو بحاجة ماسّة إلى زوجته، والزوجة بحاجة نَفْسية له؛ لوجود المودَّة والأُلفة بينهما، وهذا الوضع استثنائي، وظرفي، وليس أصلًا، والتعدّد هو للخيار، وليس للإلزام، ويُترَك تنظيم ذلك الزواج للمجتمع حسب ثقافته، ورضا الرجل والمرأة.