مفهوم

النعجة في القرءان

أورد معظم التفاسير أن دلالة كلمة (نعجة) في نص {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ }ص23، هي إما أنثى الخروف والظباء والبقر أو هي المرأة، ولنستعرض نماذج من التفاسير لأنها كلها تنقل عن  التفسير السابق لها، ولا تزيد عليها شيء.

  • تفسير الطبري: (جامع البيان){إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص: 23][ص:58] وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ الْخَصْمُ الْمُتَسَوِّرُونَ عَلَى دَاوُدَ مِحْرَابِهِ لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ دَاوُدَ كَانَتْ لَهُ فِيمَا قِيلَ: تِسْعٌ وَتِسْعُونَ امْرَأَةً، وَكَانَتْ لِلرَّجُلِ الَّذِي أَغْزَاهُ حَتَّى قُتِلَ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ؛ فَلَمَّا قُتِلَ نَكَحَ فِيمَا ذُكِرَ دَاوُدُ امْرَأَتَهُ، فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا: إِنَّ هَذَا أَخِي يَقُولُ: أَخِي عَلَى دِينِي.

2- تفسير الثعالبي (الكشف والبيان في التفسير): لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ وهذا من أحسن التعريض، حتّى كنّى بالنعاج عن النساء.

والعرب تفعل ذلك كثيرا توري عن النساء بالظباء والشاة والبقر وهو كثير وأبين في أشعارهم.

قال الحسن بن الفضل: هذا تعريض التنبيه والتفهيم، لأنه لم يكن هناك نعاج ولا بغي، وإنما هو كقول الناس ضرب زيد عمرا، وظلم عمرو زيدا، واشترى بكر دارا وما كان هناك ضرب ولا ظلم ولا شراء.

3- تفسير الميزان للطبطبائي: النعجة الأنثى من الضأن، و ” أكفلنيها ” أي اجعلها في كفالتي وتحت سلطتي و ” عزني في الخطاب ” أي غلبني فيه والباقي ظاهر.

والرأي الذي قال به معظم المفسرين محصور بأقوال وهي:

  • النص على ظاهره والنص يتعلق بخصومة في ملكية النعجة وهي أنثى الخروف أو غيره من إناث الأنعام.
  • دلالة النص ليست حقيقية وإنما هي مجازية ومثل ضرب للنبي داوود من قبل مَلكين لتعريفه بخطئه الذي ارتكبه في قصة المرأة العارية المكذوبة عليه.
  • دلالة كلمة ( النعجة) هي المرأة.
  • ويوجد رأي لأحد المعاصرين رفض الآراء السابقة ، ولكن لم ينف دلالة كلمة (النعجة) على المرأة، ولكن حين عرض فهمه أثبت أن النبي داوود تزوج من عدد كثير من النساء الأرامل أمهات اليتامى بقصد الكفالة لهم، ونفى تعلق كلمة (النعجة) بالمرأة وافترض أن اليتامى هم النعاج وعددهم تسع وتسعون وليس عدد النساء.

والمدقق في هذه الأقوال يجد أنها أفهام سطحية ومهزلة ولا علاقة لها بالدراسة و التدبر  لا من قريب ولا من بعيد، ولنقرأ الحدث كاملاً من القرءان ونحاول أن نعمل له سيناريو ونسقطه على الواقع ونذكر ما سكت عنه النص وهو معلوم من خلال سياق الأحداث وجريانها.

{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ }{إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ }{إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ }ص21-23.

يوجد أخَّين أحدهما يملك تسع وتسعون نعجة، والآخر يملك نعجة واحدة، طلب الأول من الثاني الحصول على نعجته وضمها إلى ملكيته، وذلك كان ضرورة بصورة شراء ودفع ثمنها، فرفض الآخر، فقام الأول بمضاعفة ثمنها لترغيبه بالتنازل عنها، وأصر الثاني على عدم التنازل عنها، فغير الأول عرضه من الملكية إلى الكفالة وطلب منه أن يكفلها له كإدارة وعناية وتبقى ملكيتها له، وأصر الثاني على الرفض

وأصر الأول على الحصول على النعجة بأي طريقة، وامتنع الآخر عن إعطائها له لا كملكية ولا ككفالة، وحصل بينهما خصومة شديدة واعتداء وبغي، وكان لابد من تدخل سلطة بينهما لتحل المشكلة، فلجآ إلى النبي داوود وهو كان بمثابة القاضي في قومه، وما إن سمع النبي داوود بالقصة من صاحب النعجة إلا وأطلق حكمه بالظلم على صاحب النعاج الكثيرة دون أن يسمع رأيه وسبب إصراره على أخذ النعجة بأي طريقة، وعندما تكلم صاحب النعاج الكثيرة وأظهر سبب إصراره علم النبي داوود أنه أخطأ بالحكم  وعلم أن امتناع صاحب النعجة عن التعاون مع الآخر ورفض عرضه هو الظالم وليس الآخر، وظن أن الله فتنه فاستغفر وتاب  من تسرعه بالحكم دون أن يسمع الطرف الثاني ودون أن يفهم معطيات وحيثيات الحدث.

تحليل ونقاش الحدث

  • لماذا طلب صاحب النعاج الكثيرة الحصول على نعجة واحدة بإصرار عجيب أدَّى إلى الخصومة الشديدة مع الآخر ورفع الأمر إلى القضاء؟

هل من يملك قطيع من النعاج تضيق عينه على شخص يملك نعجة واحدة؟

هل زيادة نعجة واحدة إلى قطيع تزيد في الملكية بشكل كبير أو تؤثر في حال لم تضاف إليه؟

هل يصح منطقياً أن يتمسك شخص بملكية نعجة دُفع له فيها ضعف ثمنها ، أو العرض بكفالتها عنه وإعطائه إنتاجها وزيادة فوقه دون تعب منه ولا رعاية لها مع بقاء ملكيتها له وضمان سلامتها؟
لماذا هذا التمنع الشديد من صاحب النعجة ولم يرض بأي عرض ؟
أليس إصرار صاحب النعاج الكثيرة على الحصول على النعجة بأي طريقة يعني أن النعجة هذه مهمة جداً بالنسبة لنعاجه ومصلحته

هل  دلالة النعجة في هذا الحدث وما ترتب عليه من خصومة بين الطرفين ورفع الأمر إلى القضاء يمكن أن تكون أنثى الخروف أو البقر أو غيره ؟

وهذا يوصلنا  منطقياً أن دلالة كلمة النعجة في النص ليس أنثى الخروف ولا غيره من البهائم .

كما أن فهم كلمة النعجة أنها امرأة أو كناية عن امرأة أو اليتامى خطأ أيضًا لسطحية  الفهم  وكذب رواية رؤية النبي داوود للمرأة العارية التي تغتسل والمؤامرة التي عملها مع زوجها حيث بعثه إلى حرب كي يُقتل في المعركة ولا يرجع لتصير زوجته أرملة ويتزوجها النبي داوود!

وكذلك فهم القصة بشكل مجازي وعد الرجلين أنهما ملائكة ، فهذا رأي باطل لأن الخطاب القرءاني حق وصدق ولايوجد فيه مجاز وعبث وهزل.

لندرس دلالة كلمة النعجة

هل كلمة النعجة هي اسم جنس أم صفة ؟

نجد في كتب التفاسير أنهم أطلقوا على أنثى الخروف والبقر والظباء  وغير ذلك كلمة نعجة، وأطلقوا على المرأة أيضًا كلمة نعجة، وهذا يعني أن كلمة نعجة ليست اسم جنس، وإنما صفة تطلق على أي كائن أو شيء تحقق به دلالة كلمة النعجة، وهذا يعني أن الاستخدام لكلمة النعجة ليس محصوراً بما ذكروا ، ولا يشترط صحة استخدامهم!

لنرى لسان العرب ماذا ذكر عن دلالة كلمة النعجة؟

[النعجة: الأنثى من الضأن والظباء والبقر والشاء الجبلي، والجمع نعاج ونعجات، والعرب تكني بالنعجة والشاة عن المرأة.

وأرض ناعجة: مستوية مُكرمة للنبات تنبت الرَّمثَ.] انتهى

(الرمث: نوع من النبات يأكله الإبل والغنم  وهو مرعى لها).

نلاحظ أن ابن منظور صاحب لسان العرب ذكر معنى آخر لدلالة كلمة النعجة غير أنثى الخروف والبقر والظباء وهو الأرض أيضًا يمكن أن تكون نعجة وناعجة، والسؤال لماذا تم إهمال هذا الوصف والاستخدام لدلالة الكلمة واستبعاده أثناء دراسة النص القرءاني المعني بالدراسة؟

لندرس مفهوم كلمة ( نعج)

ن: صوت يدل على ستر واختباء

ع: صوت يدل على عمق وبعد

ج: صوت يدل على جهد وقوة.

ومجموع هذه الأصوات لكلمة ( نعج) يصير حركة مستورة بعمق وبُعد يظهر منها قوة وجهد.

وعندما لاحظ العرب ذلك المفهوم قد تحقق بأنثى الخروف  وأي أنثى من الأنعام من كونها  تحمل جنينها وتخفيه بعمقها ومن ثم تظهره ولادة بقوة وجهد، أطلقوا عليها وصف نعجة، وهذا المعنى تحقق بالمرأة أيضًا من كونها أنثى تخفي في عمقها جنينها ومن ثم تظهره بقوة وجهد، ولاحظوا أن الأرض التي تخفي في عمقها النبات وصلاحية التربة وتظهر النبات بقوة وجهد ووفرة  قد تحقق بها دلالة كلمة النعجة، والأرض هذه هي كمثل الأنثى في تلك العملية من حيث العطاء، وهذا يعني أن دلالة كلمة النعجة ليس ذماً وليست هي اسم حيوان، ولكن شاع بين الناس إطلاقها على إناث الحيوانات دون المرأة أو الأرض أو أي شيء يتمثل به المعنى، وهذا الشائع ليس علماً وغير مُلزما لنا ولاعلاقة له بالدراسة القرءانية لأن القرءان نزل بلسان عربي مبين ولم ينزل بما شاع بين الناس.

وبناء على ما وصلنا إليه من دلالة كلمة النعجة وأنها تُطلق على الأرض الخصبة والصالحة والمنتجة للنبات بوفرة نقوم بإعادة تدبر نص الحدث ونستبعد الهزل والعبث والسطحية ونتدبر النص بمنهجية لسانية قرءانية منطقية تليق بالقرءان ونعلم المقصد من كلمة النعجة في النص القرءاني محل الخلاف والخصومة.
يوجد أخين الأول يملك تسع وتسعون ( نعجة)  قطعة أرض خصبة وصالحة للزراعة ومباركة، والثاني يملك ( نعجة واحدة) قطعة أرض خصبة ومباركة وصالحة للزراعة أيضاً، وطالما أصر صاحب النعاج على امتلاك هذه القطعة بأي ثمن حتى أنه عرض كفالتها ( ضمانها) بمعنى العناية بها إدارة لصالح صاحبها دون أن يأخذ منه شيئًا مقابل أن يسلمه إدارة الأرض وحرية التصرف بها مع ضمان ملكيتها وسلامتها لصاحبها و مع استغناء صاحب النعاج عن ملكيتها لأنه يملك عدد كبير مثلها فهذا يدل منطقياً أن موقع هذه النعجة ( قطعة الأرض) هو بين أراضي الطرف الثاني سواء في وسطها أو بجوارها مما تعيق حركة الرجل في إدارة أراضيه وتضره جداً وتؤذيه وتكبده الخسائر، وهذا السبب يظهر لنا إصرار الأخ على الحصول على هذه الأرض بالشكل الذي يريده أخوه ويكون راضي ولا يخسر شيئًا بل يربح ويرتاح من تعبها والعناية بها ورعايتها ويصله الانتاج لعنده  دون تعب مع الحفاظ على ملكية الأرض له وسلامتها ، ولكن صاحب الأرض امتنع بشدة  وحصل خصومة وشجار بينهما ورفض أي حل عرضه أخوه عليه بعناد وتعنت غير مبرر، وعندما اشتدت الخصومة بينهما ووصلت إلى البغي على بعض اضطرا لرفع المشكلة إلى القضاء، وما إن دخل الخصمان حتى سارع صاحب النعجة ( قطعة الأرض الواحدة) إلى الكلام وعرض المشكلة بشكل مختصر دون تفاصيل، مما أدى عند النبي داوود إلى التسرع ولم يسمع من الطرف الثاني وظن أن الأخ صاحب النعاج طمعان في قطعة الأرض هذه رغم امتلاكه تسع وتسعون قطعة أرض مثلها بمواصفاتها، ولكن عندما تكلم صاحب النعاج وأظهر سبب حرصه على امتلاك هذه الأرض أو كفالتها  بسبب موقعها بين أراضيه وأن أخوه يزعجه في التعامل بسبب عدم تعاونه وتسهيل حركته وإدارة أراضيه  ويسبب له ضرر كبير له وخسارة لأنها يمكن أن تكون ممر إلى أراضي الآخر أو يوجد فيها مصدر الماء للسقاية والرعاية أو غير ذلك مما يضر الآخر ويزعجه كثيراً، وهو عرض عليه شراءها بأكثر من ثمنها وعندما رفض بيعها عرض كفالتها له مع ضمان سلامتها وإعطاءه كامل الإنتاج من أرضه دون نقصان ودون أن يبذل أي جهد فيها  ومع ذلك أصر على الرفض ولم يظهر أي تعاون أو حل للمشكلة، عندئذ غير النبي داوود حكمه وحكم بالظلم على صاحب النعجة الواحدة وألزمه بقبول الحل الذي يناسبه إما بيع الأرض أو كفالتها.
هذا التدبر منطقي ويليق بالنص القرءاني والحدث، ويوافق اللسان العربي، ومن كان عنده أفضل منه فليعرضه وفق منهج قرءاني منطقي لساني.