دلالة أصوات الأحرف قائمة ٌفيها
لقد اعتمدنا على نقطتين في إثبات أن للأصوات العربية دلالةً واقعيةً، وذلك خلاف ما هو شائع بين أهل اللغة من أن صوت الحرف العربي ليس له دلالة وحده، ويُدَرِّسون أبناءنا في المدارس أصواتاً لا مفهوم لها، ويطالبونهم بتأليف كلمات منها لها معنى!.
النقطة الأولى: المنطق:
الذّرة هي لبنة الكون التي تم الخلق منها، والخلية لبنة الكائن الحي، واللّبنة هي شيء متناه في الصّغر، وتحتفظ بكل صفات البناء الكبير، فالبناء الكبير سواء الكون أم الحياة، كلاهما يحتفظان بصفة اللّبنة الأولى، ولولا وُجُود هذه الصّفات في اللّبنة الأولى، لما وجدت في الكون والحياة. فالشّيء يأخذ حكم أجزائه، لأنه يُوجد من خلال اجتماعها، فلو كان الجزء ميتاً، وأضفناه إلى آخر مثله، لحصلنا على بناء ميت لا حياة فيه، ميت + ميت = ميت.
والذّرة: كائن ثنائي البنية (متعدد) متحرك، وهي لبنة الكون، فالكون كائن متحرك.
والخلية: كائن حي زوجي البنية، وهي لبنة الحياة، فالكائن المخلوق من خلية، هو كائن حي.
واللِّسان مؤلف من كلمات ذات دلالات في الواقع، وهذا يقتضي أن يكون لصوت الحرف دلالةٌ ضرورةَ كونه لَبنة الكلمة، ولو انتفى عن صوت الحرف دلالته، لانتفت عن الكلمة دلالتها ضرورةً، وصارت كلمة ميتة لا حياة فيها اعتباطية الاستخدام، وأمكن أن تحل أي كلمة مكان كلمة أخرى، وكذلك كل حرف يحل مكان الآخر، ولو حصل ذلك لانتفى البيان، وهلك اللِّسان وضاع التنزيل الحكيم!. فكما أنَّ الذّرة لا تظهر في الواقع بفاعلية، إلا إذا أضيفت إلى غيرها ضمن علاقة معينة، كذلك صوت الحرف، لا يتفعَّل إلا إذا أضيف إلى غيره، ضمن علاقة معينة، فتظهر دلالة الكلمة من خلال اجتماع لبناتها، ويكون ذلك بصُورة ثنائية كحد أدنى، مثلها كمثل العناصر الكيميائية.
هذا وجه للفكرة الذي اعتمدنا عليه في إثبات ضرورة أن يكون للصوت العربي مفهوماً، لأنه يستحيل أن نؤلِّف كائناً حياً من أجزاء ميتة!، كذلك يستحيل أن نجمع صوتاً لا معنى له مع صوت آخر لا معنى له، ونحصل على كلمة لها معنى.
النقطة الثانية: صفات النص القرءاني
انطلقت من التنزيل الحكيم وصفاته التي ذكرها الخالق له، خاصة أننا المسلمين نعدُّ التنزيل الحكيم مصدراً رئيسياً لمعلوماتنا وتاريخنا، وهو برهان بحد ذاته لإثبات الفكرة.
لنقرأ قوله تعالى:
1- صفة الحق: { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ } [المائدة: 48].
وكلمة (الحق) تدل على الوجود الموضوعي خارج الذهن والتصور، فنقول: الله حق، واليوم الآخر حق، والموت حق، والتنزيل الحكيم حق، ولا يمكن لمن يتصف بالحق ومن الحق أن تكون صيغته اللِّسانية مؤلفة من أصوات اعتباطية لا مفهوم لها !، ما يؤكد أن أصوات التنزيل الحكيم حق، وبالتالي أصوات اللِّسان العربي حق، ولها مفهوم خارج الذهن والتصور.
2- التنزيل الحكيم هو فعل من أفعال الله، وأفعال الله حق ومنبثقة من العليم الحكيم الخبير، فكيف نصف أصوات التنزيل الحكيم أنها وهم واعتباط لا مفهوم لها؟ وكيف صار من هذه الأوهام والاعتباط نصٌّ حكيم يحتوي على الحق؟
3- الخالق وصف نص كلامه ورسالته بصفة الحكيم بقوله: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ } [يونس:1] فكيف يكون النص الحكيم مُؤلفاً من وهم واعتباط في أصواته!؟
4 – وصف الله كتابه {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [ الشعراء: 195]، فكيف لنصٍّ عربي مبين أن يكون مؤلفاً من وهم واعتباط في أصواته!؟
5- وصف الله كتابه بالنور، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الشورى:52] فكيف للنور أن يكون مؤلفاً من ظلمات ووهم واعتباط!؟
6 – وصف الله كتابه بالهدى {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2]، والشفاءُ { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء} [فصلت: 44]، فكيف يكون الهدى والشفاء مؤلفاً من وهم واعتباط!؟
بناء على هذه الصفات للتنزيل الحكيم وغيرها نقطع بوجود دلالة للصوت العربي لزوماً، وينبغي أن نبحث عن دلالته في الواقع؛ لأنه محل لها، ومنه صدرت وإليه تعود.
اضف تعليقا