منهجية دراسة مفهوم الصوت العربي

الأحرف العربية ثمانية وعشرون صوتاً منسجمة مع النظام السُّباعي للكون،  وعددها من مضاعفات الرقم سبعة،  لذا،  صوت الهمزة هو جزء من صوت المد (آ) وليس مستقلاً وحده،  وهذه الأحرف صُور صوتية لظواهر وأحداث واقعية،  وإذا أردنا أن نحدد دلالة هذه الأصوات،  فينبغي أن ندرسها من حيث واقعها،  وكيفية نطقها،  لأن عملية النّطق عند الإنسان هي عملية فطرية،  تفاعلَ من خلالها مع الواقع،  فكان الصّوت الذي أصدره هو صُورة صوتية للحدث نقلها جهاز النّطق بأمانة دون زيادة أو نقصان،  انظر للصوت الذي يصدره الإنسان حين الألم كيف يختلف عن صوت الضحك،  وهذا نتيجة اختلاف الحدث الذي أدَّى لاختلاف الشعور والانفعال والتفاعل،  فدلالة الحرف قائمة فيه،  والحرف هو لبنة الكلمة،  والكلمة لبنة الجملة،  ودلالة أصوات الأحرف هي مجرَّد صُور صوتية للظّواهر،  والأحداث الواقعية،  يقوم الإنسان باستخدامها من خلال إضافة صوت إلى آخر منسجم ومتلائم مع الحدث الذي يريد أن يتكلم عنه،  فيتم إضافة صوت إلى صوت آخر،  ليتم بناء كلمة تدل على المقصود تماماً في الواقع.

  أما إذا لم يكن في ذهن الإنسان علم بالواقع،  وقام بجمع صوت إلى آخر بصُورة عشوائية اعتباطية،  فهذه العملية لا تُعطي للكلمة دلالة واقعية،  وإنَّما تُعطيها دلالة تجريدية،  كظاهرة فقط،  يمكن أن تحصل في الواقع،  ويمكن أن لا يصح جمع هذين الحرفين مع بعضهما،  لانتفاء وُجُودهما متتابعين في الواقع كظاهرة طبيعية،  أو حدث منتهٍ في الواقع ليس له تتمة،  أو بقية،  نحو كلمة (عح) فحرف الحاء في الكلمة،  لا وُجُود لظاهرته في الواقع بعد حرف العين،  لأن حرف العين أفاد العمق،  أو البُعد في الشيء،  أو الامتداد فيه،  وفي الواقع لا يمكن أن يأتي بعده دلالة الحاء التي تدل على أرجحة متعددة النقاط منضبطة،  وكذلك حرف الخاء والحاء لا وجود لظاهرتيهما معاً في الواقع؛   لأن الخاء يدل على ارتخاء وطراوة الشيء في ذاته،  وهذا لا يمكن أن يأتي بعده صفة الحركة المؤرجحة،  انظر إلى (طق) لا يصح إنهائها بحرف الحاء (طقح)،  وكذلك كلمة (عب) لا يصح أن نضيف لها حرف الحاء نحو (عبح) لانتفاء وُجُود دلالة صوت حرف الحاء (التأرجح المنضبط) في نهاية دلالة هذه الكلمة،  وذلك لوجود حرف العين فيها.

  وهذا معروف في علوم اللِّسان تحت اسم تنافر الحروف من بعضها،  وانتفاء مجيئها في كلمة واحدة،  ومَرَدّ التنافر هو لانتفاء وجودها في الواقع فيزيائياً،  وانعكس ذلك في اللِّسان العربي،  وليس لثقل لفظها،  أو لانتفاء استخدامها من قبل العرب الأوائل،  كما يظن أهل اللغة ويعتمدون على السماع والنقل.

 فينبغي ملاحظة هذه النّاحية الفيزيائية في الواقع،  وتطبيقها في عملية تركيب أحرف الكلمات مع بعضها بما يناسب ويدل على الواقع تماماً حتَّى يصير اللِّسان صُورة صوتية،  أو وظيفية،  أو حالية للواقع تماماً،  تعكس الحدث بأمانة،  فإذا سمع الإنسان الكلمة،  استطاع أن يقوم بعملية التّصُور لدلالتها في الواقع،  من خلال دلالة أصوات الأحرف،  فيصل إلى مفهومها التجريدي،  ثُمّ يقوم بملاحظة سياقها في الجملة مع إسقاطها على محلِّها من الخطاب،  فيصل إلى صورة استخدامها الثقافي،  ومقصد المتكلم منها (المعنى).

 وسنعرض الآن دلالة أصوات الأحرف في الواقع جملة واحدة،  ثم،  نقوم بعملية الشّرح،  وبيان كيفية وُصُولنا إلى هذه الدّلالات،  من خلال ملاحظة صوت الحرف كيف يخرج من جهاز النّطق،  ومن خلال إسقاطه على الواقع،  واستخدام التنزيل الحكيم له،  والإتيان باستخدام العرب للكلمات،  وملاحظة دلالتها،  وانسجام ذلك مع دلالة صوت الحرف في الواقع،  فقمت بعرض نماذج لكل حرف،  واستفدت من قاعدة الثّنائية الضّدية،  للتّأكد من دلالة الكلمة،  من باب:  وبضدها تتبين الأشياء،  ولأن قانون الضدية الثنائية،  هو قانون يقوم الواقع عليه،  وألفاظ الإنسان الفطري الواعية،  هي صورة صوتية للظواهر الفيزيائية،  التي تحدث في الواقع،  فَقلبتُ النّماذج أثناء دراستها لضبط الدّلالة والمعنى،  فإن تحقق المعنى في أحد الضّدين،  فهذا دليل على صواب الدّراسة.

  وينبغي الانتباه إلى أنَّ الكلمات الثّنائية هي كلمات فطرية،  ومن ثم،  فدلالتها كامنة في دلالة أحرفها،  ويَصعب على الإنسان المعاصر أن يدرك دلالتها بسهولة،  لا سيما أنه يستخدم في حديثه الكلمات ذات المقاطع الثّلاثية،  لأنه إنسان ينتمي إلى مجتمع،  بينما الكلمات الثّنائية،  هي مفردات الإنسان الفطري،  عندما كان يعيش في صُورة جماعات وأسر،  لذا،  ينبغي التّريث والتّعمق في دلالتها،  وإدراك الرّابط بينها وبين ظواهرها في الواقع،  وملاحظة كيف أنَّ الكلمة الثّلاثية،  لا تُلغي دلالة الكلمة الثّنائية،  وإنَّما تضيف لها دلالة،  إما توقيف الحركة،  أو إسراعها،  أو دفعها،  أو تكرارها،  أو استمرارها،  أو إعطاؤها جهداً،  أو بُعداً زمنياً…  إلخ،  حسب الاستخدام الاجتماعي الوظيفي للكلمة.

مثلاً:  كلمة (كت) تدل على قطع،  أو ضغط خفيف،  وتنتهي بدفع خفيف متوقف.  ونستخدم ذلك في حياتنا المعيشية بصُورة:  كت الماء في إناء آخر،  لاحظ عملية كت الماء،  كيف تتم في الواقع،  هذه الرؤية هي برهان على ما أقول،  وإذا أسرعت في عملية الكت إلى درجة كبيرة،  وبدفعة واحدة،  نلاحظ أن وصف العملية قد تغير من كلمة (كت) إلى كلمة (صب)،  فإذا أضفنا حرف (ب) إلى كلمة (كت) تصير (كتب)،  ونكون قد انتقلنا من دلالة فطرية،  إلى دلالة اجتماعية،  ومن دلالة صوتية إلى دلالة وظيفية،  وهذه نقلة عظيمة وكبيرة،  لذلك يرى القارئ –   للوهلة الأولى –    صُعُوبة الرّجوع من الحياة الاجتماعية،  إلى الحياة الفطرية،  ومن ثم،  تَضيع الرّوابط بين الكلمات،  وتضيع أصولها.

فكلمة (كتب) تدل على جمع شيء إلى آخر.  (مقاييس اللُّغة).

وينبغي الانتباه إلى أن القواميس عند شرح معنى الكلمة غالباً تأتي بمآلها في الواقع،  أو دلالة الحرف الأخير منها.

لنر ذلك تفصيلاً،  من خلال دلالة الأحرف.

ك:  صوت يدل على قطع،  أو ضغط خفيف.  

ت:  صوت يدل على دفع خفيف،  متوقف.  

ب:  صوت يدل على جمع مستقر.  

فعملية كت الماء،  قد أدركناها في الواقع،  فماذا أضاف حرف (ب) لهذه العملية ؟

نقول:  كتب التّلميذ الدّرس،  ونقول:  كتاب القراءة.

ونقرأ قوله تعالى:  { كَتَبَ رَبّكُمْ عَلَىَ نَفْسِهِ الرّحْمَةَ أَنّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ} [  الأنعام: 54].

لقد ذكروا أن دلالة كلمة (كت) هي الجمع،  وذلك نتيجة رؤيتهم لنهاية عملية الكت.

فهذه الصّورة ذاتها،  جعلوها لدلالة كلمة (كتب) رغم وُجُود زيادة حرف (ب) على كلمة (كت)،  والزّيادة في المبنى،  هي زيادة في المعنى،  كما هو معلوم.

 لذا،  ينبغي الانتقال في الدّراسة للكلمات الثّلاثية من المستوى الفطري إلى المستوى الاجتماعي،  ومن المستوى الدّلالي الصّوتي،  إلى المستوى الدّلالي الوظيفي،  أو الحالي،  مع استصحاب دلالة أصوات الأحرف فطرة،  ودلالة الكلمات الثّنائية،  لأنها تفاعل فطري للإنسان الأول.

 كت:  كلمة تدل ظاهرتها الواقعية،  على حركة ضغط خفيف،  ودفع لهذا الشّيء المنضغط إلى جهة أخرى بصُورة خفيفة متوقفة،  فدلالة كلمة (كت) لا علاقة لها بالجمع أو غيرها،  وإنَّما هي وصف دقيق لظاهرة العملية،  كيف تتم في الواقع،  أي:  وصف لعملية كت الماء،  وليس لتجمُّع الماء في الإناء الآخر،  مع العلم أن عملية الكت،  ليس بالضّرورة أن تنتهي بصفة الجمع،  نحو:  كت الماء على اليدين لغسلهما.  فالماء ينتهي به المطاف إلى التّفريق والذّهاب،  وينبغي العلم أنَّ الكلمة،  لا يدل عليها إلا ذاتها،  لأنها ظاهرة قائمة بذاتها كبصمة أصبع الإنسان،  وما استخدام الكلمات الأخرى في الشّرح،  إلا من باب التّقريب للدّلالة،  فإذا وصلت الدّلالة الحقيقية،  تُستَبعد كل الكلمات المستخدمة في الشرح والتقريب.

فعندما أضفنا حرف (ب) إلى كلمة (كت) أعطى لظاهرة الكت نهاية بصُورة جمع مستقر،  ونقلها من الاستخدام الفطري التّفاعلي،  إلى الاستخدام الاجتماعي،  بحالة الحركة التي تبدأ بعملية الضّغط الخفيف،  والاندفاع الخفيف المتوقف على حالة الجمع المستقر في الجهة الأخرى.

وتحقق ذلك في فعل (كتب) الذي هو ضغط،  ودفع خفيف،  منتهٍ  بحالة جمع العملية هذه،  في مكان واحد ضرورةً بصورة مستقرة،  وبعد هذا الشّرح،  نستطيع أن نفهم قوله تعالى:  {كَتَبَ رَبّكُمْ عَلَىَ نَفْسِهِ الرّحْمَةَ} [ الأنعام 54]،  أي:  ألزم نفسه بفعل الرّحمة،  والإلزام أتى من دلالة الجمع المتوقف والمستقر،  لدلالة كلمة (كت) عندما أضيف لها حرف (ب).

كتب التّلميذ الدّرس،  إذا قام بعملية ضغط ودفع خفيف منته بجمع مستقر.

وعندما قام علماء اللِّسان العربي بوضع قواميسهم،  لاحظوا نهاية دلالة كلمة (كتب) ينتهي بجمع مستقر،  فقالوا أنها تدل على جمع،  وذلك من باب تفسير الشيء بمآله،  وهكذا فعلوا مع معظم الكلمات،  لذا،  ينبغي الانتباه لهذه الملاحظة،  وعدم التعامل مع هذه المراجع كأنها حقّ وأصل،  وإنما هي تقريب لدلالة الكلمة،  ومُساعد لدراستها.  وبذات الطّريقة،  نقوم بتحليل كل الكلمات التي نريد معرفة دلالتها في الواقع تماماً،  لنستخدمها بصُورة صائبة في مكانها المناسب،  وسوف أتطرق في آخر الكتاب لمجموعة من الكلمات الثّلاثية،  وأبيِّن دلالتها،  وعلاقتها بالثّنائية،  وذلك كنموذج عملي للتّطبيق والتّدريب.

وينبغي ملاحظة أمر على درجة من الأهمية،  وهو أنَّ الكلمة،  هي وصف قائم في ذاتها،  وليست هي تعبير عن ميول الإنسان،  نحو كلمة (الجنة) فقد قيل:  إنها سمُيت كذلك لميل قلب الإنسان إليها،  والصّواب أنها سُمّيت كذلك لستر وإخفاء ما فيها،  لذا،  هي خاصَّة بالمكان الذي فيه أشجار كبيرة،  وعالية،  سواء مال الإنسان إليها،  أم لم يَمل،  فهي جنّةٌ،  ولا تُطلق على الأرض التي فيها زرع صغير فقط،  مثل الأزهار والورود.

 وسوف نحاول الآن الوُصُول إلى دلالة أصوات الأحرف،  من خلال مراقبة طريقة لفظ صوت الحرف من الجهاز الصوتي الإنساني،  وإسقاط ذلك على الظاهرة الفيزيائية في الواقع،  والقيام بعملية سبر وتقسيم للكلمات المختلفة،  التي تنتهي بالحرف ذاته،  لمعرفة توجُّه حركة دلالة الكلمة،  إلى أين ينتهي ؟ وهل تشترك كل الكلمات بهذه النّهاية ؟ وذلك من باب:  إنَّما الأعمال بنهاياتها،  واستخدام الكلمات على هذا الوجه،  هو برهان بحد ذاته على دلالة صوت الحرف،  في الواقع.

فإذا صح هذا المعنى،  في جميع الكلمات،  دلَّ على أن دلالة صوت الحرف،  هو ما وصلنا إليه وأثبتناه،  لأن الإنسان الفطري كان يُصدر الأصوات بصورة مرتبة،  حسب حصول الحدث في الواقع،  فبدأ بالصوت الأول الذي يدل على بداية الحدث،  وبالصوت الثاني الذي يدل على وسط الحدث،  والصوت الثالث على نهاية الحدث،  وإذا احتاج الحدث إلى صوت رابع،  أو خامس،  قام بإضافته.

 وأوضح مثال على مسألتنا،  هو قيام الإنسان الفطري بأخذ صورة صوتية –    طبق الأصل-    عن الأحداث في الواقع،  وبما أن الكون قائم على الحركة،  انعكس ذلك على اللِّسان العربي،  فقام على أساس الحركة (الأفعال) وقليلاً على الأسماء الصوتية،  وهذه الطريقة ليست للحصر،  فيمكن للآخرين أن يجدوا طرائق أخرى لدراسة دلالة الأحرف،  والمهم أن يؤمن الباحث أن الأحرف لها دلالة قطعاً،  ويبحث عن الوسيلة التي يمكن أن يصل من خلالها إلى مفهوم صوت الحرف.  

 انظر إلى دلالة هذه الكلمات:

1-    صورة صوتية للظاهرة الفيزيائية الصوتية في الواقع: خرير،  صرير،  عواء،  حفيف،  نباح،  مواء،  عويل،  صراخ،  شخير،  صفير،  طرطقة،  خشخشة،  خرمشة،  أزيز،  رنيم،  طنين،  طرير،  رنين،  قعقعة،  صهيل،  نهيق،  دقدقة.

2 –   صورة صوتية للظاهرة الفيزيائية الحالية،  في الواقع:

شر،  دَب،  حف،  حك،  بق،  طب،  هب،  برق،  فر،  كر،  در،  سر،  هر.

 3-   صورة صوتية للظاهرة الفيزيائية الفعلية،  في الواقع:

شحط،  سحب،  دفش،  دعس،  عفس،  دهس،  نشف،  نفش،  نكش،  حفر.

ومن هذه الصور الثلاثة ظهر اسم الأداة،  أو اسم الفاعل،  أو اسم المفعول،  أو اسم المكان…. ،  وذلك على وزن (مِفعال،  وفاعل،  ومفعول،  ومَفعل) فنقول:

مِشحاط،  وشاحط،  ومشحوط،  ومَشحط.

ومِدفاش،  ودافش،  ومدفوش،  ومَدفش.

ومِدعاس،  وداعس،  ومدعوس،  ومَدعس.

ومِحفار،  وحافر،  ومحفور،  ومَحفر.

مِكتاب،  وكاتب،  ومكتوب،  ومَكتب.

مِفتاح،  وفاتح،  ومفتوح،  ومَفتح.

مِحراب،  ومُحارب،  ومَحروب،  ومَحرب.

مِخزان،  وخازن،  ومخزون،  ومَخزن….