مفهوم

كلمة النص في قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما ورد النص بتحريمه

{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }الأعراف33

{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ }النحل116

{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً …}الأنعام151

دلالة كلمة النص في القاعدة الأصولية يقصد بها النص القرءاني فهو مصدر التشريع، ولا يقصد بها الروايات أو أقوال الصحابة أو أئمة أهل البيت، وهذه القاعدة تتعلق بالطعام والشراب واللباس والمركب ونمط الحياة والبيع و التجارة والصناعة والزراعة والزينة…الخ،  وليست على إطلاقها، لأنه يوجد أمور الأصل فيها الحرام إلا ما ورد النص بإباحته، مثل الدماء والأموال.

وفي هذا المنشور سنسرد أقوال بعض أئمة الأصول والتفسير في أن مفهوم كلمة النص في القاعدة هو النص القرءاني،  وذلك رداً على بعض المتعالمين الذين أنكروا أن يوجد من قال من علماء الأصول إن دلالة  كلمة النص يقصد بها  النص القرءاني ، واعتمدوا على بعض أقوال السلفيين  الذين يدعون إن دلالة  كلمة النص تشمل النص القرءاني والنص النبوي، وبالتالي أعطوا للنبي حق التشريع مستقلًا عن القرءان وخارجه حتى  ولو سكت القرءان عن حكم شيء يمكن أن يحرمه النبي ، يعني القرءان يحل شيء بالسكوت عن بيان حكمه فيأتي النبي ويستدرك على الحكم الإلهي ويرفض الحكم القرءاني ويحرمه ، هكذا زعموا وافتروا.

–  العدة شرح العمدة [كتاب الأطعمة]

(وهي نوعان: حيوان وغيره، فأما غير الحيوان فكله مباح) لأن ‌الأصل ‌في ‌الأشياء ‌الإباحة بقوله سبحانه: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩]

– تفسير النيسابوري

وإذا تعارض الحل والحرمة فالحل راجح لأن ‌الأصل ‌في ‌الأشياء ‌الإباحة وللعمومات الدالة على الحل كقوله: خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة: ٢٩] كُلُوا وَاشْرَبُوا [الطور: ١٩] ولأنه مستطاب وقد قال: أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ [المائدة: ٤]

– البحر المحيط في أصول الفقه

وَقَوْلُهُ: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ} [الجاثية: ١٢] إلَى قَوْلِهِ {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: ١٣] وَفِي الصَّحِيحَيْنِ ” مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ [لَمْ] يَحْرُمْ عَلَى السَّائِلِ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ، وَأَنَّ التَّحْرِيمَ عَارِضٌ. وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ السَّمْنِ وَالْجُبْنِ وَالْفِرَاءِ فَقَالَ: الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عُفِيَ عَنْهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ.

– شرح المصابيح لابن الملك

عن سلمانَ قال: سُئِلَ رسُولُ الله – صلى الله عليه وسلم – عن السَّمْنِ والجُبن والفِراءِ؟ قال: “الحَلالُ ما أحلَّ الله في كتابهِ، والحَرامُ ما حرَّمَ الله في كتابهِ” وما سكتَ عنهُ فهوَ ممَّا عفا عنهُ”، غريب وموقوفٌ على الأصَحِّ.

“عن سلمانَ – رضي الله تعالى عنه – قال: سُئِلَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن السَّمْن والجبن والفِرَاء” بكسر الفاء ممدودًا، قيل: جمع الفَرَءَ بفتح الفاء والهمزة والقصر، وهو الحمارُ الوحشي، وقيل: إنه جمع الفَرْو الذي يُلْبَس، وإنما سألُوا عنها حَذَرًا من صُنع أهلِ الكفر في اتخاذهم الفِراءَ من جلود الميتة من غير دباغ.

“فقال: الحلالُ ما أحلَّ الله”؛ أي: ما بيَّنَ تحليلَه “في كتابه، والحرام ما حَرَّم الله”؛ أي: بيَّنَ تحريمَه “في كتابه، وما سكتَ عنه”؛ أي: الكتاب عن بيانه.

“فهو مما عُفي عنه”؛ أي: أبيحَ وهذا يدلُّ على أن ‌الأصلَ ‌في ‌الأشياء ‌الإباحةُ.

  • الشرح الصوتي لزاد المستقنع ( ابن عثيمين)

( حكم الأكل بالآنية): الأصل فيها الحِل؛ لأنها داخلة في عموم قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] ومنه الآنية؛ لأن الآنية من الأرض….. وإلا فالأصل فيها الحل.

والدليل ما ذكرتُ {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} هذا من القرآن، ومن السُّنَّة قول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ» (١)، وقال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا» (٢).

الأصل في الأشياء الإباحة وفي العبادات التحريم إذن فالأصل فيما سَكَتَ الله عنه الحل إلا في العبادات؛ في العبادات الأصل التحريم؛ لأن العبادات طريق موصل إلى الله عز وجل؛ فإذا لم نَعْلَم أن الله وضعه طريقًا إليه حَرُم علينا أن نتَّخذه طريقًا.