تدبر (وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا)

هذه الجملة جزء من نص معروف سوف نتلوه لاحقاً بشكل كامل ، تناولها معظم المفسرين  وقالوا: إنها تعني أن تهب المرأة نفسها للنبي لينكحها إن شاء دون ولي أمر أو مهر، وهذا خاص للنبي فقط دون سائر المؤمنين، وشكَّل فهم هذا النص عند المسلمين مشكلة كبيرة لم تحل  خلال التاريخ  إلى يومنا المعاصر حسب علمي واطلاعي، لنقرأ:

تفسير الطبري قال:

وقوله ( إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا ) يعني: إن أراد أن ينكحها فحلال له أن ينكحها وإذا وهبت نفسها له بغير مهر خَالِصَةً لَكَ يقول: لا يحل لأحد من أمتك أن يقرب امرأة وهبت نفسها له، وإنما ذلك لك يا محمد خالصة أخلصت لك من دون سائر أمتك.

واتبع معظم المفسرين في ذلك الطبري ينقلون عنه ويتبنون قوله .

حتى أورد البخاري في كتابه قولًا نسبه للسيدة عائشة عند نزول هذا النص  وهو:

قالت عائشة: كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقول: أتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل الله تعالى: (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك) قلت: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك.

وواضح من التفسير والحديث المنسوب لعائشة أن الرب فتح  باب إشباع الشهوات الجنسية  لنبيه على مصراعيه وبحرية تامة، حتى تلقفها  اللادينيون للطعن في النص القرءاني وأن الرب يحابي النبي ويبيح له إشباع شهوته الجنسية ويطلب نكاح أي امرأة تهب نفسها له دون شرط أو قيد ولا مهر ولا ولي أمر.

وفعلاً شكَّل تدبر هذا النص مشكلة عند الباحثين ولم يجدوا حلًا له طوال فترة زمنية طويلة بقي دون تدبر ، وكان يطلب كثير من الناس جوابي عليه و تدبره إما سائلًا للعلم  أو ناقضًا ومتهمًا وطاعناً في القرءان والنبي، وذلك منذ أكثر من عشرين عاماً، واطلعت على معظم ما قيل أو كتب في تفسير هذا النص فكان معظمها نقلاً عن الطبري وموافقتهم له في تفسيره، أو محاولة عقلنة فهم النص ولكن بشكل متواضع وقاصر ،  ولم يقبل عقلي هذا التفسير التراثي لأنه فعلًا ينقض عظمة القرءان  وينقض أخلاق النبي محمد ويظهره رجلاً لا يفكر إلا بالنكاح والجنس، فكنت أتناول النص  المعني وحده وأنظر فيه فيقفز إلى عقلي بعض كلمات من النص مثل (الأزواج، والأجور، والنكاح…) مع كمون وجود التفسير التراثي في داخلي مما يوجه عقلي فوراً إلى أن محور النص يتكلم عن النكاح الجنسي وهذا شكل عائقاً كبيراً منعني من متابعة تدبر النص فأقف وانسحب من التدبر وأؤجل ذلك للزمن فيما بعد عسى أن يظهر متدبر آخر له ويعرض فهماً جديداً ينسجم مع القرءان وأخلاق النبي، أو أنا أقوم بتدبره  بعد أن يزيد علمي وفهمي من خلال الدراسة ، وكل فترة يتم عرض هذا النص سواء كسؤال أو طعن ونقض  ويظهر على طاولة البحث وأنظر فيه نظرة سريعة فيقفز إلى عقلي أيضًا هذه الكلمات (الأزواج، والأجور، والنكاح…) مع تفسير التراث ويمنعني من متابعة التدبر ، حتى أني لم اقرأ النص في مكانه من السورة  وفق سياقه وسباقه ولا مرة وأكتفي بتلاوة  النص وحده منفرداً خارج السورة

رغم أني أحمل منهج الترتيل والتقليم  والمنظومات والمنهج اللساني  لدراسة القرءان ومع كل ذلك وقعت ضحية التراث وتعاملت مع النص بشكل مجزأ وبمعزل عن السياق له السابق واللاحق وإهمال المنظومات، فأدى ذلك لتوقفي ومنعي عن تدبره لفترة طويلة جداً إلى أن ظهر السؤال أيضا وبشدة عن تدبر هذا النص وخاصة كثرة النقض والطعن به من قبل اللا دينيين.
فقررت أن ادرسه وأتدبره من خلال استخدام المنهج  وأتعامل مع النص من خلال المصحف ذاته وأقرأه وفق محله من السورة ووفق السياق مع تحليل الكلمات المفتاحية للنص التي تشكل مفاصله ومحور موضوعه.

الموضوع يتعلق بثلاثة نصوص من سورة الأحزاب وهي رقم 50 –  51- 52

لنتلوها كاملة ومن ثم نقوم بعرض الدراسة و التحليل

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }الأحزاب50

{تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً }الأحزاب51

{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً }الأحزاب52

– يبدأ النص بكلمة (يا أيها النبي)، وهذا يدل على أن الخطاب يتعلق بمقام النبوة وليس بمقام الرسول الذي يتمثل بمهمة التلاوة و التبليغ  والتبيين لما نزل عليه فقط، ولا يتعلق بمقام الإنسان لإشباع حاجاته العضوية وغرائزه، وهذا يعني أن مضمون الخطاب ليس تشريعاً للمؤمنين ولا  يتعلق بمقام شخص النبي الإنساني، وإنما يتعلق بمقام النبوة الذي يتمثل  بالإمامة والقيادة والدعوة والتعليم والتوجيه للمؤمنين، ولذلك هذه النصوص تعد من القصص المحمدي التي لايصح استنباط أحكام شرعية منها  وإنما تدرس للعظة و العبرة وتفعيل المقصد منها  في كل مجتمع

–  كلمة( أحللنا)  هي من حل  وتعني حركة الشيء  بين عدة أمور وهذا يفيد التخيير بين فعلها أو تركها وفي الواقع هي تقابل مفهوم الحرام أو المنهي عنه

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }التحريم1

وكلمة حل تأتي بمعنى نزل في مكان معين وأقام فيه وهي ضد السفر والارتحال، وسميت حلولا لأن المسافر يفك أمتعته ويتحرك بحرية دون قيد لحريته أو عقد لأمتعته.

  • كلمة (أزواج) جمع زوج، وتعني وجود الكائن الذي يقابله كائن آخر يتم بينهما علاقة سواء مادية أو معنوية يترتب عليها التلاؤم والتكامل الوظيفي أو الفكري والسلوكي، ويسمى الكائن الواحد زوجاً لأنه يستمد وجوده من الكائن الآخر، فلولا وجود الذكر لما ظهر الكائن الأنثى وبالعكس، فالذكر هو زوج الأنثى خلقاً ، والأنثى زوج الذكر خلقًا ، ويسمى الكائنين زوجين، ولذلك فدلالة الكلمة عامة ولا يشترط لها العلاقة الزوجية الجنسية بين العقلاء الذكر والأنثى.
    أو الكائنات البهيمية، بل تتعدى ذلك إلى دلالة الزوجية بصورة معنوية أيضًا ولو في النوع الواحد ذكر وذكر أو أنثى وأنثى أو من كلا النوعين ، لنقرأ:
  • دلالة كلمة الزوج تتعلق بالإنسان وبالأنعام

{فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الشورى11

– دلالة الزوجين للكائنين المختلفين بالنوع ، ولاحظوا أن الذكر اسمه زوج والأنثى اسمها زوجاً وهذا خلقا سواء حصل بينهما زواج جنسي أو لم يحصل

{وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى }النجم45

– دلالة كلمة الزوج بمعنى التلاؤم والتوافق الفكري والنفسي والسلوكي وهذا يكون بين مختلف الأنواع ولايشترط له أن يكون بين الذكر والأنثى فقط

{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ }الزخرف70

{هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ }يس56

{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ }الصافات22

كلمة أزواج  المؤمنين لايشترط أن يكون دلالتها بمعنى نساؤهم لاحتمال أن تكون نساؤهم كافرات مثل زوج النبي نوح وزوج النبي لوط

وأزواج الذين ظلموا ليسوا هم النساء بالضرورة لوجود احتمال أن تكون نساؤهم مؤمنات

فتكون دلالة كلمة أزواج في هذا السياق تشمل الذكور والإناث المتوافقين بفكرهم وسلوكهم مع الآخرين ،  وهذا يعني يمكن أن نقول أن المرأة فلانة هي زوج المرأة الأخرى في حال كان بينهم توافق وتلاؤم فكري ، وكذلك الذكر زوج الذكر الآخر في حال حصل بينهم توافق فكري وانسجام سلوكي وهذا من دلالة كلمة الزوج معنوياً وليس مادياً ووظيفيًا

  • الأجر ، هو عطاء مقابل عمل يقوم به الكائن لجهة معينة

{وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ }الأعراف113

{أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ }الأنعام90

{فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً }الكهف77

نلاحظ أن جملة (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) من خلال ضبط دلالة مفاهيم مفرداتها وكيف يتم استخدامها لاعلاقة لها  بنكاح النساء الجنسي لا من قريب ولا من بعيد وذلك لعدة نقاط:

الأولى:  أن زوجات النبي حلال له  بعقد النكاح وهذا ليس محل نقاش أو اختلاف ولا يحتاج لنص يخبره أن زوجاته تلك حلال له

الثانية: دلالة كلمة الأجور تتعلق بعمل يقمن به النساء اللاتي هن أزواج  للنبي في مقام النبوة وليس في مقامه الإنساني بمعنى أنهن متوافقين معه في الفكر والسلوك ويتبعونه بالإيمان وليس زواج نكاح ،  وما يُعطى للمرأة في عقد نكاحها يسمى صَداقاً  المعروف بين الناس باسم المهر وهو ليس أجراً، والصداق هو حق للمرأة  وواجب على الرجل كعطاء وهدية يعبر بها عن صدقه في العلاقة ومودته ودعما للمرأة لتجهز نفسها به، والمرأة كزوجة بعقد نكاح لا تعمل  عند الرجل حتى يعطيها أجراً، ولا الرجل يعمل عندها، والعلاقة بينهما علاقة تكامل وتعاون وتبادل المنافع والمصالح تقوم على المودة والسكن وليست علاقة تفاضل وهيمنة واستئجار وخدمة، اقرؤوا:

{وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً }النساء4

الثالثة: من دلالة كلمة ( أحل) هو الحل في المكان ضد الترحال والسفر، وهذا يعني أن الأزواج ( النساء اللاتي آمنوا بالنبي واتبعوه في فكره وسلوكه) هن حلوا عند النبي في مقامه ودخلوا في دائرة معيشته وصار هو مسؤولاً عنهم ولذلك يعطيهم أجراً، والذي يدل على هذا الفهم والتدبر تكملة النص (وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ) من المعلوم أن الزواج بمعنى عقد النكاح من بنات العم والخال والخالات والعمات مباح في أصله لانتفاء ذكرهن في نص محارم النكاح سواء هاجرن معه أو لم يهاجرن، وهذا يعني أن الكلام ليس عن حكم الزواج منهن فهذا تحصيل حاصل، وإنما يتكلم عن شيء آخر ، ودل عليه مجيء كلمة( هاجرن معك) والنص بدأ بكلمة ( أحللنا) ليدل على أن هؤلاء النساء آمنوا بالنبي واتبعوه وهاجروا معه وليس لهم مأوى أو معيل إلا النبي نفسه بحكم القرابة وكونه القائد والمسؤول عنهن فدخلن في دائرة المعيشة في مقام النبوة وبصفته الأب الروحي لهن، وهذا يقتضي من النبي أن يشرف عليهن ويصير علاقة اجتماعية وتداخل بينهم واطلاع على الخصائص لضرورة الحياة بينهم، رغم أن هؤلاء النساء  لسن من المحارم ولايصح للرجل أن يقيم مع نساء في مكان واحد ويدخل عليهن ويدخلوا عليه غير محارمه، ولكن نتيجة الظروف التي حصلت وهجرة النساء وظرفهم الصعب وقرابتهم من النبي وهو مسؤول عنهن بصفته قائداً وإماماً التزم بهن وبإدارة معيشتهن، وهذا حكم خاص للنبي فقط

و ملك اليمين في النص أيضاً هن النساء التابعين في معيشتهن لمقام النبي ولسن زوجاته، وهن يعملون في خدمة النبي مقابل المأوى والطعام والحماية والاعتناء بهن نتيجة الظروف الاجتماعية لاعلاقة لهن بالنكاح قط

وصلنا الآن إلى جملة (وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

قبل أن نتدبر هذا النص لابد من ضبط مفهوم النكاح

أورد لسان العرب كلمة النكاح فقال :

نكح: تعني الزواج والبضاع والوطء  وتطلق على عقد النكاح ، وتابع قوله:

نكح النعاس عينه: غلبها

نكح المطر الأرض: اعتمد عليها

إذاً لا يشترط لكلمة النكاح أينما أتت تعني الزواج والوطء، وينبغي أن نتحرر من قبضة المعنى الشائع والسائد والمشهور بين العامة حين الدراسة ، والقرءان نزل بلسان عربي مبين وليس بما هو شائع ومستخدم بين العامة.

كلمة النكاح  من نكح: النون والكاف والحاء تدل على الحركة المستورة التي تشكل ضغطاً خفيفاً ضمن حركة مؤرجحة منتظمة بين عدة نقاط.

ومن هذا الوجه قالوا : نكح المطر الأرض، بمعنى توجه حركة نزول المطر من الستر وبضغط خفيف لينتهي على الأرض ويتغلغل فيها مع استمرار تلك الحركة من خلال متابعة نزول المطر.

وقالوا: نكح النعاس العين، بمعنى جعل جفن العين يستر العين بضغط خفيف ويكاد تغمض العين فتسارع على الفتح ويرجع إلى بدء العملية ويكررها

وعود على النص ( وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)

امرأة مؤمنة بالله وبالنبي ودعوته وهبت نفسها  وليس جسمها لمقام النبوة وليس لشخص النبي كإنسان، وهذا يعني أن المرأة فرغت نفسها للتعلم والتعليم والتزكية من خلال مصاحبتها وملازمتها للنبي وهذا يقتضي منها أن تعيش في دائرته المعيشية، وهذا الفعل من المرأة يحتاج موافقة النبي عليه  لأن الأمر مسؤولية ومصروف معيشي،ودل على ذلك كلمة( إن أراد النبي أن يستنكحها) وكلمة يستنكحها بمعنى يطلب نكاحها أي يطلب تفاعلها وتعلمها وقيامها بالتعليم للنساء الأخريات، ولاعلاقة لدلالة الكلمة بالنكاح الزوجي بمعنى الوطء ، ودل على ذلك تتمة الكلام في النص الآخر

{تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً }

لاحظوا فعل ( ترجي وتؤوي إليك) فالموضوع كله يتعلق بالمأوى والمعيشة ، وكلمة ترجي بمعنى لاترفض طلب المرأة التي وهبت نفسها لمقام النبوة  وإنما أرجها بمعنى أعطها أمل بقبول طلبها مع الزمن حينما تسنح الفرصة و الظروف وذلك  كي تقر عينها ولا تحزن وبالوقت ذاته ترضى نفسيًا بالوضع وتقدر ظرف النبي،  وجعل ذلك الوضع للنبي وعلاقته بهؤلاء النساء حكم خاص به لنفي حل أن يعيش إنسان مع نساء من غير محارمه في مسكن واحد والعلاقة بينهم متداخلة .

وتابع النص الثالث ووضع حد لهذا العمل بعد استقرار الوضع الاجتماعي فأتى بتوقيف هذا الفعل للنبي

{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً }الأحزاب52
كلمة ( لايحل لك النساء) لاعلاقة له بالنكاح الجنسي وإنما يتكلم عن  نفي حل إقامة النساء المذكورات في النصين السابقين في دائرة النبي وطلب من النبي أن يوقف ذلك الفعل ويكتفي بمن عنده فقط ، ونهاه أن يحول علاقته مع أحد تلك النساء من علاقة دعوة وتعليم وعناية وحماية إلى علاقة زوجية بعقد نكاح ولو أعجب بحسن إحداهن، واستثنى من نهي  إقامة النساء  عند النبي في دائرة مقام النبوة ملك اليمين في الدخول بدائرة مقام النبو ة لوضعهم الاجتماعي كونهن يعيشون مع النبي لتحصيل المأوى والطعام فقط مقابل خدمتهم للنبي.
فالنصوص الثلاثة  كلها هي بمثابة تأمين مركز تعليمي وتثقيفي  ومعيشي ومأوى للنساء المهاجرات واللاتي لم يجدن مأوى ولا معيل وتأمين عمل للأخريات ومقابل ذلك يتعلمن ويُعلمن النساء وينشرن ما يتلى في بيت النبي لأن دلالة كلمة النساء تأتي عامة وخاصة كجمع امرأة  فيمكن أن تتعلق بزوجات النبي ، ويمكن أن تتجاوزهن إلى النساء اللاتي ذكروا في النصوص الثلاثة  وبالتالي يشملهن الأمر هذا {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً }الأحزاب34
وبذلك التدبر وتوليف النصوص الثلاثة مع بعضها وفهمها وفق منظومة القرءان واللسان العربي نكون قد حللنا الإشكال الذي يعرضه اللادينيون ونزهنا النبي من فساد الأخلاق  ورفعنا الطعن في القرءان.