مفهوم: النُّسُك

إن كلمة (نسُك) النون والسين والكاف، تدلُّ على ستر وحركة متّصلة غير محدّدة، منتهية بقطع، أو ضغط خفيف، وتحقّق ذلك بإيجاد مفهوم داخل الإنسان، بدفعه للقيام بحركة متّصلة غير محدّدة، منتهية بقطع، أو ضغط خفيف، وظهر ذلك بصورة أداء النُّسُك.

والنُّسُك: هو قيام الإنسان بعمل خارج ذاته، يقصد به وجه الله عزّ وجلّ، نحو قيامه بذبح الإبل، أو الشاة، قُربة لله عزّ وجلّ، تكفيرًا عن خطأ ارتكبه، أو تقرُّبًا لله عزّ وجلّ من خلال إطعام المحتاجين من الناس، قال تعالى: { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقواْ اللّهَ وَاعْلَمواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة:196].

إذن؛ ليس كلّ ما نقوم به لله – عزّ وجلّ – من طاعة اسمها نُسُك، فالصيام، والصدقة، ليسا نُسُكًا؛ بدليل ذِكْرهما قبل النُّسُك، وعطف النُّسُك عليهما، والعطف يقتضي التغاير ضرورة؛ كما هو معلوم، ممَّا يدلّ – من خلال سياق نصّ الحجّ – أن النُّسُك هو ذبح شاة، أو ناقة، أو بقرة، ممَّا يصلح أن يكون غذاءً وطعامًا للناس.

والمنسَكْ: هو اسم مكان يتمُّ فيه أداء النُّسُك وجَمْعه (مناسك).

قال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } [البقرة:200 ]. فالنصّ أتى بعد ذِكْر طقوس الحجّ، والقيام بها، إلى أن وصلوا إلى أداء المناسك، وهي الأمكنة التي يتمّ فيها النُّسُك (تقديم اللحم للناس) من خلال ذبح أحد الأنعام، فلا يصحُّ إطلاق كلمة (مناسك) على طقوس الحجّ، فالنُّسُك – كما ذكرتُ – هو تقديم أحد الأنعام، تقرّبًا لله عزّ وجلّ من خلال توزيعه وإطعامه للفقراء.

ويمكن أن يتمّ توسيع وتفعيل مفهوم المناسك إلى مستوى الاهتمام بغذاء وطعام الناس، على مستوى المجتمعات الإنسانية، والمحافظة على صلاحية اللحم، من خلال المحافظة على تربية الأنعام بصورة علمية، وتمكين الناس من الحصول عليها، بأرخص الأسعار، وأسهل الطُّرُق.

لذا؛ الصلاة، والصيام، والزكاة، وغير ذلك لا تُسمَّى نُسُكًا، وإنما هي طاعات، والناسك اسم فاعل، يدلُّ على مَنْ يقوم بفعل النُّسُك، ومسؤول عنه؛ من خلال تحمُّل مسؤولية الإشراف على تقديم النُّسُك، وتوزيعها بصورة جيدة، يحقّق – من خلالها – عملية الإشباع للفقراء والمحتاجين.