الفرق بين دلالة “كافة” و “جميعًا”
فهم لساني وتحليل قرءاني
نجد في القرآن الكريم استخدامًا متكررًا لكلمات مثل “كفى” و”كافة”، والتي تحمل معاني مختلفة وتتنوع في السياقات. سنحاول هنا تحليل دلالتها في ضوء اللسان والتدبر القرآني
وينبغي الانتباه لمفهوم دلالة الكلمة لسانًا وهو مفهوم الجذر الذي يحكم كل التصريفات أينما أتى استخدامها ودلالة الفعل الذي يظهر لزوما أثناء حصول الفعل الأول ويصاحبه وهذا يختلف من سياق إلى آخر فكل سياق قد يظهر فعل لازم يختلف عن الآخر يصاحب الفعل الأول ويبقى مفهوم الفعل الأول حاكم الاستخدام والتصريفات كلها وظاهر في المعنى.
– كفى: كلمة تدل على الاستغناء والامتناع والصرف عن ممارسة شيء.
.1- كفى الله المؤمنين القتال: في الآية {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} (الأحزاب 25)، نجد أن الله يكفي المؤمنين القتال، أي يُغنيهم عن الحاجة للقتال، ويضمن حمايتهم ونصرتهم. ويظهر هنا استغناء المؤمنين واعتمادهم على الله ومنع الأذى عنهم. وكان ذلك لوجود معطيات معينة منعت حصول القتال.
2- أرسلناك كافة للناس: في الآية {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (السبأ 28)، نرى أن الرسالة التي بعث بها الرسول محمد تكون كافية لجميع الناس، بمعنى تغنيهم وتمنعهم من الاعتماد على غيرها وتصرف ذلك عنهم لكمالها وقيامها على الرحمةو الإنسانية . ويظهر هنا استقلالية واستغناء الرسالة الإسلامية عن الرسالات الأخرى وتكاملها مع متطلبات الإنسانية كافة.
3- قاتلوا المشركين كافة: وفي الآية {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} (التوبة 36)، نجد أمرًا بقتال المشركين لكف أذاهم ومنعهم وصرفهم عن العدوان جميعًا، مما يدل على شمولية الأمر بالقتال والاعتماد على الله لنصرة المؤمنين ومنع الأذى عنهم.
4- كف الأيدي: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً }الفتح24، بمعنى منع قوتهم أن تطولكم وكذلك منع قوتكم أن تطولهم وصرف القتال عنكم وأوقفه واستغنى كل فريق بما عنده وانصرف.
باختصار، يظهر من تحليل هذه الآيات أن كلمة “كفى” تدل على الاستغناء والاعتماد والانصراف عن الشيء وعدم الحاجة له، ومن هذا المفهوم اللساني ظهر الفعل اللازم جمع في بعض السياقات ورافق فعل كفى وكلمة كافة وليس ليحل مكانه وإنما ليرافقه