الإسلام وزواج الأطفال

يثير موضوع زواج الأطفال في الإسلام جدلًا كبيرًا، ويستشهد البعض بحديث من صحيح البخاري وصحيح مسلم ينص على أن النبي محمد تزوج عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنوات، ودخل بها وهي بنت تسع سنوات. يُستخدم هذا الحديث لتبرير الزواج من الأطفال، وهو ما يستدعي دراسة نقدية مستفيضة لفهم مدى صحته وتبعاته.
النص القرآني “واللاتي لم يحضن” وشرحه
النص القرآني المذكور في سورة الطلاق الآية 4:
• “وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۚ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا”
النص يعالج مسألة عدة النساء حال الطلاق في حالات مختلفة:
والنص استخدم كلمة ” مِنْ نِسَائِكُمْ “، ونساء جمع “امرأة” وليس جمع طفلة أو بنت، مما يعني أن الحديث هنا هو عن النساء الراشدات وليس عن الفتيات أو الأطفال.
1. النساء اللواتي يئسن من المحيض: أي النساء اللواتي وصلن إلى سن انقطاع الطمث ولم يعدن يحصلن على الدورة الشهرية. في هذه الحالة، عدتهن تكون ثلاثة أشهر.
2. النساء اللواتي لم يحضن: هذه الفئة تشمل النساء الراشدات اللاتي لم يحصل لهن الحيض لسبب ما، سواء كان ذلك لأسباب صحية أو تأخر طبيعي في البلوغ الجنسي رغم وصولهن لسن الرشد ( 18 عام).
3. النساء الحوامل: في هذه الحالة، تكون العدة حتى وضع الحمل.
نقد الرواية حول عمر السيدة عائشة
السياق التاريخي:
القول بأن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت طفلة صغيرة حين تزوجها النبي محمد يتعارض مع العديد من الأدلة التاريخية والنصوص الدينية الأخرى. الرواية التي تفيد بأنها تزوجت وهي بنت ست سنوات وبنى بها وهي بنت تسع سنوات تحتاج إلى مراجعة دقيقة للسياق الاجتماعي والتاريخي، وهذا يدل على أنه ليس كل ما ورد في البخاري ومسلم هو صحيح ولابد من نقده وإعادة التفكير فيه وفق منظور قرءاني ومنهج نقدي تاريخي.
الأدلة التاريخية:
هناك أدلة تاريخية تشير إلى أن عمر عائشة كان أكبر من تسع سنوات عند زواجها:
• ابن هشام في سيرته، وابن سعد في الطبقات الكبرى، يذكران أن عائشة كانت طفلة عندما بدأ الوحي في مكة، مما يعني أنها كانت في سن العاشرة على الأقل عندما هاجر النبي إلى المدينة، وبالتالي يمكن تقدير عمرها عند الزواج بما لا يقل عن 18 عامًا.
• يوجد رواية تذكر أن عائشة كانت مخطوبة قبل أن يخطبها النبي وهذا يدل على أن سنها سن زواج وليس طفلة
• هناك أيضًا تقديرات عمرية لأحداث أخرى تشير إلى أن عمر عائشة كان أكبر مما ذكر في الروايات.
بعض النصوص التاريخية تشير إلى أن عائشة رضي الله عنها ولدت قبل البعثة النبوية بسنوات، مما يعني أنها كانت قد بلغت سن الرشد عند زواجها من النبي. إذا نظرنا إلى الأحداث التاريخية الأخرى، مثل الهجرة وبداية الدعوة الإسلامية، نجد أن عائشة كانت في سن أكبر بكثير مما تذكره الرواية التقليدية. الدراسات تشير إلى أنها كانت في سن الثامنة عشر أو أكبر عندما تزوجها النبي .
التحليل المنطقي:
القول بزواج النبي من طفلة يتعارض مع القرءان ذاته والمبادئ الأخلاقية والإنسانية التي جاء بها الإسلام. والنبي محمد من أعلم الناس بما نزل عليه وهو أولى الناس بالالتزام به، فالإسلام يُعنى بحماية حقوق الأطفال وضمان نضجهم الكامل قبل أي التزامات زوجية. ويتعارض هذا مع الواقع التاريخي المعروف عن النبي محمد الذي كان يحترم حقوق المرأة ويعزز مكانتها في المجتمع.
استنتاج:
إن الادعاء بأن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت طفلة صغيرة عند زواجها من النبي محمد هو ادعاء باطل ومخالف للقرءان و للحقائق التاريخية. الأدلة التاريخية تشير بوضوح إلى أن عائشة كانت في سن الرشد عند زواجها، وكانت في الثامنة عشر من عمرها أو أكبر.
ولا يمكن لأي عاقل أن يقبل فكرة زواج النبي محمد من طفلة، إذ أن ذلك يتعارض مع المبادئ الإنسانية والأخلاقية التي جاء بها الإسلام. هذا الادعاء إنما هو محاولة لتشويه صورة النبي محمد والإسلام، ونحن نرفضه جملةً وتفصيلًا.
الإسلام دين يحترم حقوق الإنسان ويعزز مكانة المرأة، ولن نقبل بأي تبرير لزواج الأطفال بناءً على روايات تاريخية مكذوبة ومدسوسة في الثقافة . نؤكد بكل وضوح أن عائشة رضي الله عنها كانت بالغة راشدة عند زواجها من النبي ، وكل من يدعي خلاف ذلك إنما هو متجني على القرءان والنبي محمد و الحقيقة التاريخية.
الخلاصة:
نحن نرفض الروايات التي تدعي أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت طفلة صغيرة عند زواجها من النبي محمد. والأدلة التاريخية والنصوص القرآنية تؤكد أنها كانت في سن الرشد.