نقد مقولة “أجمعت الأمة على قبول الصحيحين”
الإمام مسلم بن الحجاج (204-261 هـ) والإمام محمد بن إسماعيل البخاري (194-256 هـ) هما من أبرز علماء الحديث في التاريخ الإسلامي. رغم العلاقة التي جمعت بينهما، إلا أن الإمام مسلم وجه نقداً لمنهج شيخه البخاري في بعض القضايا المتعلقة بعلم الحديث.
منهج البخاري:
الإمام البخاري كان يعتمد في تصحيح الأحاديث على التعاصر بين الراوي والمروي عنه مع اللقاء ولو مرة و احدة حتى وإن لم يُثبت اللقاء بينهما بشكل مباشر حين سماع الحديث ولكن يوجد احتمال أنه سمعه في لقاء سابق. طبعا مع بقية شروط الراوي التي هي العدالة و الضبط مما يكفي لتصحيح الحديث عنده.
نقد مسلم للبخاري:
في مقدمة “صحيح مسلم”، يعرض الإمام مسلم نقده لمنهج بعض معاصريه في تصحيح الأسانيد، وهو ما يُعتقد أنه يتضمن نقداً للإمام البخاري. النص الذي يوضح هذا النقد هو كما يلي:
“وقد تكلم بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح الأسانيد وتسقيمها بقول لو ضربنا عن حكايته وذكر فساده صفحا لكان رأيا متينا ومذهبا صحيحا. إذ الأعراض عن القول المطرح أحرى لإماتته وذكر قائله وأجدر ألا يكون ذلك تنبيها للجهال عليه غير أنا لما تخوّفنا من شرور العواقب واغترار الجهلة بمحدثات الأمور وإسراعهم إلى اعتقاد خطأ المخطئين والأقوال الساقطة عند العلماء، رأينا الكشف عن فساد قوله ورد مقالته بقدر ما يليق بها من الرد أجدى. زعم القائل الذي افتتحنا الكلام على الحكاية عن قوله والإخبار عن سوء رويته أن كل إسناد لحديث فيه فلان عن فلان وقد أحاط العلم بأنهما قد كانا في عصر واحد وجائز أن يكون الحديث الذي روى الراوي عمن روى عنه قد سمعه منه قد سمعه منه وشافهه به غير أنه لا نعلم له منه سماعا ولم نجد في شيء من الروايات أنهما التقيا قط أو تشافها بحديث أن الحجة لا تقوم عنده بكل خبر جاء هذا المجيء حتى يكون عنده العلم بأنهما قد اجتمعا من دهرهما مرة فصاعدا.”
في هذا النص يطعن مسلم بمن يشترط اللقاء بين الرواة لقبول الحديث وتصحيحه، ويقول: يكفي المعاصرة بين الرواة لقبول الحديث طالما أن الراوي ثقة وعدل وضابط، وهذا دفعه لقبول أحاديث كثيرة لم يخرجها البخاري، ولذلك كان عدد الأحاديث في كتابه أكثر من عددها في كتاب البخاري.
نقد الدارقطني للبخاري:
الدارقطني (306-385 هـ) هو أحد العلماء الذين انتقدوا بعض الأحاديث في صحيح البخاري. في كتابه “الإلزامات والتتبع”، يعرض الدارقطني ملاحظاته حول بعض الأحاديث التي يرى أنها تحتاج إلى إعادة نظر، سواء من حيث السند أو المتن. يقول الدارقطني في مقدمة كتابه:
“هذا كتاب يشتمل على ذكر أحاديث أخرجها الشيخان، وهي مما انتقده بعض الحفاظ، وبينوا عللها.”
من بين الأحاديث التي نقدها الدارقطني:
1. حديث: “إنما الأعمال بالنيات”:
o النقد: الدارقطني أشار إلى أن الحديث، رغم صحته، لم يكن في أصل “صحيح البخاري” وتم إدخاله لاحقًا.
2. حديث: “يخرج قوم من النار بشفاعة محمد ﷺ”:
o النقد: الدارقطني أشار إلى أن في سنده اختلافات تجعل الحديث موضع نقد.
نقد الألباني لبعض أحاديث البخاري:
في العصر الحديث، يعتبر الشيخ ناصر الدين الألباني (1914-1999 م) أحد العلماء الذين قاموا بدراسة الأحاديث وتصحيحها. الألباني، رغم احترامه الكبير للإمام البخاري وصحيحه، إلا أنه لم يتردد في نقد بعض الأحاديث التي رآها غير صحيحة أو ضعيفة. في كتابه “ضعيف الجامع الصغير وزياداته”، يوضح الألباني منهجه في تصحيح الأحاديث، ويشير إلى بعض الأحاديث التي يرى أنها تحتاج إلى إعادة نظر. من الأمثلة على ذلك:
1. حديث: “إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً”:
o النقد: الألباني اعتبر أن هناك ضعفًا في السند يجعله محل نقد.
2. حديث: “إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاث مرات”:
o النقد: الألباني رأى أن هذا الحديث ضعيف بسبب ضعف الرواة في السند.
نقد مقولة “إجماع الأمة على قبول الصحيحين”
مقولة “إجماع الأمة على قبول الصحيحين” أو أن “أصح كتاب بعد كتاب الله هو البخاري” هي مقولة شائعة، لكنها تحتاج إلى إعادة نظر ونقد علمي لها:
1. ظنية الثبوت:
o الأحاديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم هي ظنية الثبوت، بمعنى أنها ليست قطعية الثبوت مثل القرآن.
2. وجود النقد العلمي:
o علماء كبار مثل الإمام مسلم، والدارقطني، والشيخ الألباني، قد وجهوا نقدًا لبعض الأحاديث في الصحيحين، مما يشير إلى أن هناك خلافات علمية حقيقية.
3. منتج بشري:
o صحيح البخاري وصحيح مسلم هي منتجات بشرية، ومهما بلغت دقتهما، فإنهما ليسا معصومين من الخطأ.
4- القواعد والشروط التي وضعها علماء الحديث أتت متأخرة عن الرواية وهي اصطلاحية ومزاجية وتتأثر بالموقف السياسي والمذهبي والعقائدي.
الخاتمة
لا يوجد كتاب حق وصدق وصواب كله إلا القرآن، وهو مصدر الدين الوحيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. أما ما سواه من كتب الحديث وغيرها فهي منتجات بشرية تخضع للنقد والقبول والرفض، وعلاوة على أنها ظنية الثبوت. القول بأن الأمة أجمعت على قبول الصحيحين أو أن “أصح كتاب بعد كتاب الله هو البخاري” باطل جملة وتفصيلاً. نقد علماء كبار مثل مسلم ، والدارقطني، والشيخ الألباني، لبعض الأحاديث في الصحيحين يعكس الحاجة المستمرة للتدقيق والنقد العلمي، مما يعني أن هذه الكتب ليست معصومة ويجب النظر إليها بعين النقد والتحليل المستمر وفق منظور القرءان ويكون هو الحاكم و المهيمن عليها.
الإمام مسلم بن الحجاج (204-261 هـ) والإمام محمد بن إسماعيل البخاري (194-256 هـ) هما من أبرز علماء الحديث في التاريخ الإسلامي. رغم العلاقة التي جمعت بينهما، إلا أن الإمام مسلم وجه نقداً لمنهج شيخه البخاري في بعض القضايا المتعلقة بعلم الحديث.
منهج البخاري:
الإمام البخاري كان يعتمد في تصحيح الأحاديث على التعاصر بين الراوي والمروي عنه مع اللقاء ولو مرة و احدة حتى وإن لم يُثبت اللقاء بينهما بشكل مباشر حين سماع الحديث ولكن يوجد احتمال أنه سمعه في لقاء سابق. طبعا مع بقية شروط الراوي التي هي العدالة و الضبط مما يكفي لتصحيح الحديث عنده.
نقد مسلم للبخاري:
في مقدمة “صحيح مسلم”، يعرض الإمام مسلم نقده لمنهج بعض معاصريه في تصحيح الأسانيد، وهو ما يُعتقد أنه يتضمن نقداً للإمام البخاري. النص الذي يوضح هذا النقد هو كما يلي:
“وقد تكلم بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح الأسانيد وتسقيمها بقول لو ضربنا عن حكايته وذكر فساده صفحا لكان رأيا متينا ومذهبا صحيحا. إذ الأعراض عن القول المطرح أحرى لإماتته وذكر قائله وأجدر ألا يكون ذلك تنبيها للجهال عليه غير أنا لما تخوّفنا من شرور العواقب واغترار الجهلة بمحدثات الأمور وإسراعهم إلى اعتقاد خطأ المخطئين والأقوال الساقطة عند العلماء، رأينا الكشف عن فساد قوله ورد مقالته بقدر ما يليق بها من الرد أجدى. زعم القائل الذي افتتحنا الكلام على الحكاية عن قوله والإخبار عن سوء رويته أن كل إسناد لحديث فيه فلان عن فلان وقد أحاط العلم بأنهما قد كانا في عصر واحد وجائز أن يكون الحديث الذي روى الراوي عمن روى عنه قد سمعه منه قد سمعه منه وشافهه به غير أنه لا نعلم له منه سماعا ولم نجد في شيء من الروايات أنهما التقيا قط أو تشافها بحديث أن الحجة لا تقوم عنده بكل خبر جاء هذا المجيء حتى يكون عنده العلم بأنهما قد اجتمعا من دهرهما مرة فصاعدا.”
في هذا النص يطعن مسلم بمن يشترط اللقاء بين الرواة لقبول الحديث وتصحيحه، ويقول: يكفي المعاصرة بين الرواة لقبول الحديث طالما أن الراوي ثقة وعدل وضابط، وهذا دفعه لقبول أحاديث كثيرة لم يخرجها البخاري، ولذلك كان عدد الأحاديث في كتابه أكثر من عددها في كتاب البخاري.
نقد الدارقطني للبخاري:
الدارقطني (306-385 هـ) هو أحد العلماء الذين انتقدوا بعض الأحاديث في صحيح البخاري. في كتابه “الإلزامات والتتبع”، يعرض الدارقطني ملاحظاته حول بعض الأحاديث التي يرى أنها تحتاج إلى إعادة نظر، سواء من حيث السند أو المتن. يقول الدارقطني في مقدمة كتابه:
“هذا كتاب يشتمل على ذكر أحاديث أخرجها الشيخان، وهي مما انتقده بعض الحفاظ، وبينوا عللها.”
من بين الأحاديث التي نقدها الدارقطني:
1. حديث: “إنما الأعمال بالنيات”:
o النقد: الدارقطني أشار إلى أن الحديث، رغم صحته، لم يكن في أصل “صحيح البخاري” وتم إدخاله لاحقًا.
2. حديث: “يخرج قوم من النار بشفاعة محمد ﷺ”:
o النقد: الدارقطني أشار إلى أن في سنده اختلافات تجعل الحديث موضع نقد.
نقد الألباني لبعض أحاديث البخاري:
في العصر الحديث، يعتبر الشيخ ناصر الدين الألباني (1914-1999 م) أحد العلماء الذين قاموا بدراسة الأحاديث وتصحيحها. الألباني، رغم احترامه الكبير للإمام البخاري وصحيحه، إلا أنه لم يتردد في نقد بعض الأحاديث التي رآها غير صحيحة أو ضعيفة. في كتابه “ضعيف الجامع الصغير وزياداته”، يوضح الألباني منهجه في تصحيح الأحاديث، ويشير إلى بعض الأحاديث التي يرى أنها تحتاج إلى إعادة نظر. من الأمثلة على ذلك:
1. حديث: “إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً”:
o النقد: الألباني اعتبر أن هناك ضعفًا في السند يجعله محل نقد.
2. حديث: “إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاث مرات”:
o النقد: الألباني رأى أن هذا الحديث ضعيف بسبب ضعف الرواة في السند.
نقد مقولة “إجماع الأمة على قبول الصحيحين”
مقولة “إجماع الأمة على قبول الصحيحين” أو أن “أصح كتاب بعد كتاب الله هو البخاري” هي مقولة شائعة، لكنها تحتاج إلى إعادة نظر ونقد علمي لها:
1. ظنية الثبوت:
o الأحاديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم هي ظنية الثبوت، بمعنى أنها ليست قطعية الثبوت مثل القرآن.
2. وجود النقد العلمي:
o علماء كبار مثل الإمام مسلم، والدارقطني، والشيخ الألباني، قد وجهوا نقدًا لبعض الأحاديث في الصحيحين، مما يشير إلى أن هناك خلافات علمية حقيقية.
3. منتج بشري:
o صحيح البخاري وصحيح مسلم هي منتجات بشرية، ومهما بلغت دقتهما، فإنهما ليسا معصومين من الخطأ.
4- القواعد والشروط التي وضعها علماء الحديث أتت متأخرة عن الرواية وهي اصطلاحية ومزاجية وتتأثر بالموقف السياسي والمذهبي والعقائدي.
الخاتمة
لا يوجد كتاب حق وصدق وصواب كله إلا القرآن، وهو مصدر الدين الوحيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. أما ما سواه من كتب الحديث وغيرها فهي منتجات بشرية تخضع للنقد والقبول والرفض، وعلاوة على أنها ظنية الثبوت. القول بأن الأمة أجمعت على قبول الصحيحين أو أن “أصح كتاب بعد كتاب الله هو البخاري” باطل جملة وتفصيلاً. نقد علماء كبار مثل مسلم ، والدارقطني، والشيخ الألباني، لبعض الأحاديث في الصحيحين يعكس الحاجة المستمرة للتدقيق والنقد العلمي، مما يعني أن هذه الكتب ليست معصومة ويجب النظر إليها بعين النقد والتحليل المستمر وفق منظور القرءان ويكون هو الحاكم و المهيمن عليها.
اضف تعليقا