الشهادة والتصديق
الفرق والمعاني في الفكر الإسلامي
في الفكر الإسلامي، تُعدُّ مفاهيم الشهادة والتصديق من المفاهيم الجوهرية التي تتعلق بالإيمان. يتمحور النقاش حول الفروق بين الشهادة والتصديق ودور كل منهما في تشكيل الإيمان والعلاقة بالله. بينما يُعتبر التصديق جزءًا من الإيمان، فإن الشهادة تتجاوز هذا المستوى لتصبح موقفًا يتطلب التزامًا فعليًا بمضمونه. في هذا المقال، سنستعرض مفهوم الشهادة والفرق بينها وبين التصديق، مع تسليط الضوء على أهمية الشهادة في إثبات الإيمان بشكل كامل.
مفهوم التصديق
التصديق في اللسان هو الإقرار بحقيقة شيء ما دون أن يستلزم ذلك أي التزام عملي تجاهه سواء أكان التصديق بالقلب فقط أو صرح به بلسانه. من الناحية الدينية، يمكن أن يُفهم التصديق على أنه الاعتراف بوجود الله أو بوجود اليوم الآخر أو بأي حقيقة من الحقائق الدينية. ومع ذلك، التصديق وحده لا يشترط له الشهادة أو الإقرار العلني بهذه الحقائق.
التصديق يمكن أن يكون عقليًا أو نظريًا، حيث يعترف الفرد بحقيقة معينة دون أن يظهر هذا الاعتراف في سلوكياته أو قراراته اليومية. على سبيل المثال، قد يصدق شخص ما بوجود الله، لكنه يرفض الالتزام بتعاليمه أو عبادته. هنا يتضح أن التصديق وحده لا يكفي لتحقيق الإيمان الكامل.
مفهوم الشهادة
الشهادة، على العكس من التصديق، تحمل في طياتها معنى أعمق وأشمل. الشهادة في الإسلام هي إعلان علني وصريح للإيمان بحقيقة معينة، تتطلب موقفًا عمليًا والتزامًا بمضمون هذه الحقيقة. الشهادة تعني أن الشخص لا يقتصر فقط على التصديق بوجود الله، بل يتعهد بعبادته والامتثال لتعاليمه.
الشهادة هي التعبير عن الإيمان الكامل، الذي يتطلب الالتزام بمقتضيات الإيمان. فعندما يقول المسلم “أشهد أن لا إله إلا الله”، فإنه يعلن التزامه بعبادة الله وحده، ويتبرأ من عبادة غيره. الشهادة بهذا المعنى هي إعلان عملي يُترجم إلى أفعال وسلوكيات تعكس الإيمان.
الفرق بين الشهادة والتصديق
التصديق، كما أسلفنا، هو اعتراف داخلي بحقيقة معينة، بينما الشهادة هي الإعلان عن هذا التصديق والتزام بمقتضياته. الشهادة تُحوِّل التصديق من حالة نظرية إلى حالة عملية ملموسة، يتجلى فيها الإيمان من خلال الأفعال.
إبليس، على سبيل المثال، يُعتبر في الإسلام نموذجًا لمن صدَّق بوجود الله ولكنه لم يشهد ولم يلتزم بمقتضى هذا التصديق. إبليس لم ينكر وجود الله، ولكنه رفض السجود لآدم كأمر من الرب، وبالتالي لم يشهد بالطاعة والالتزام. هذا الرفض يعني أن التصديق وحده دون الشهادة والالتزام بمقتضاها لا يكفي لتحقيق الإيمان الكامل.
الشهادة والإيمان
الشهادة تتضمن الإيمان بمضمونها ضرورة. فالشخص الذي يشهد بوحدانية الله لا يقتصر فقط على الاعتراف بذلك بل يلتزم بتبعات هذا الاعتراف، من حيث العبادة والامتثال لتعاليم الله. الشهادة تفرض على المسلم الالتزام بما يشهد به، وبالتالي تُعتبر عنصرًا جوهريًا من عناصر الإيمان.
إذا كان التصديق يُمكن أن يبقى محصورًا في العقل، فإن الشهادة تخرجه من هذا الإطار إلى إطار الإيمان الذي يُترجم إلى أفعال عملية. لذلك، تُعتبر الشهادة بمثابة الجسر الذي يربط بين التصديق والإيمان الكامل، حيث تتطلب إعلانًا صريحًا والتزامًا بمضمون ما يشهد به الإنسان.
والشهادة نوعين:
– شهادة شاهد: تتعلق بالخبرة و العلم عن طريق البراهين و المعطيات وهي منطقية، مثل شهادة الشاهد في قصة النبي يوسف {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ }يوسف26، فهذا الشاهد لم يكن حاضراً للحدث ولكن استطاع من خلال المعطيات و البينات أن يدرك ما حصل وشهد على ذلك بخبرته وعلمه.
ومن هذا الوجه يقوم الإنسان بشهادة الوحدانية لها.
– شهادة شهيد: وهي تتعلق بحضور الشاهد بنفسه وسمعه وبصره للحدث عن علم ووعي، مثل شهادة شهيد العقود ،{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ…وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ }البقرة282
ولذلك لانجد في صفات اهَه كلمة شاهد وغنما نجد كلمة شهيد لأن اههْ حاضر دائمًا لايخفى عليه شيء وهو السميع البصير
الخاتمة
في الختام، يُعتبر الفرق بين الشهادة والتصديق جوهريًا في الفكر الإسلامي. بينما يُشير التصديق إلى الإقرار بحقيقة ما دون التزام عملي، فإن الشهادة تمثل إعلانًا صريحًا للإيمان يتطلب الالتزام بمقتضياته. الشهادة هي البوابة التي يُعبر من خلالها التصديق إلى الإيمان الكامل، وهي التي تُثبت أن الشخص لا يصدق فقط بحقائق الدين بل يعيشها ويعمل بمقتضاها. في هذا السياق، يُصبح الإيمان الكامل في الإسلام غير ممكن دون الشهادة، لأنها تُعتبر التعبير العملي عن التصديق والإقرار بالحقائق الدينية.والالتزام بمقتضياتها، وهذا لاعلاقة له بمن يشهد زوراً أو نفاقا أو كذبا.
اضف تعليقا