أسماء الأنبياء في القرآن واختيارهم وفق المنهج القرآني
نزل القرآن بلسان عربي مبين، وأُشير في القرآن إلى أن كل كلمة وكل اسم يحمل معنى دقيقًا يمثل وظيفته وسماته في الواقع. بناءً على ذلك، تظهر أهمية دراسة أسماء الأنبياء التي وردت في القرآن الكريم، وكيفية اختيارهم، وما إذا كانت هذه الأسماء تأتي كوحي مباشر من الله، أو كإلهام لوالديهم أو ذويهم. السؤال الأساسي الذي تطرحه هذه الدراسة هو: هل التسمية في القرآن ذات معنى مُحدَّد يرتبط بوظيفة الأنبياء ورسالتهم؟ وهل اختيار النبي هو نتيجة لإرادة إلهية مطلقة قبل ولادته، أم هو اصطفاء بناءً على معطيات شخصية وسيرة حسنة؟
الجزء الأول: مفهوم التسمية في القرآن
القرآن يقدّم استخدامًا دقيقًا للألفاظ والأسماء، بحيث يكون لكل اسم دلالة تتوافق مع وظيفة صاحبه. التسمية في القرآن ليست اعتباطية، بل تحمل معاني مرتبطة بوظيفة المسمى في إطار الرسالة الإلهية.
• أهمية الاسم في القرآن: يربط القرآن الأسماء بالوظائف والسمات التي يمثلها أصحابها. على سبيل المثال.
• اسم “عيسى” مشتق من الجذر العربي “عيس”، وهو يدل على الحركة السلسة والخفيفة. يحمل الاسم معاني العمق في الاتصال بالرسالة الإلهية، والاستمرارية الزمنية في الدعوة، والانسيابية في التواصل وتحقيق الأهداف النبوية بثبات. هذه الصفات تجسدت في شخصية المسيح عيسى بن مريم كرسول هادٍ وشفاءٍ، ودوره في هداية الناس على مر الزمن.
• واسم “يحيى” يرتبط بفكرة الحياة والاستمرارية.
• التسمية كوحي أو إلهام: يمكن أن نفهم من القرآن أن بعض الأسماء قد تكون وحيًا مباشرًا، بينما قد تكون الأخرى إلهامًا لوالدي الأنبياء أو ذويهم. هذا يتضح في قصة زكريا وابنه يحيى، حيث جاء الاسم بوحي مباشر: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا} (مريم: 7). هذا الاسم تم اختياره ليعبر عن السمات والوظائف التي سيمثلها النبي في رسالته.
الجزء الثاني: مفهوم الاصطفاء واختيار النبي
في إطار القرآن، يتم اختيار الأنبياء بناءً على علم الله التام بالأشخاص وأسرهم وظروفهم. هذا الاختيار ليس اعتباطيًا، بل يتماشى مع معطيات شخصية النبي وسيرته، وفي نفس الوقت يمثل إرادة إلهية محددة لتحقيق غاية معينة.
• الاصطفاء والبيئة الصالحة: الأنبياء الذين ذُكروا قبل ولادتهم، مثل عيسى ويحيى، ولدوا في أسر نبيلة وصالحة. هذا يعني أن البيئة التي نشأوا فيها كانت جزءًا من تكوينهم الروحي والأخلاقي، مما ساعد في المحافظة على فطرتهم السليمة وتعزيز عصمتهم.
• العصمة المكتسبة والتسمية: من خلال هذه البيئة الصالحة، اكتسب هؤلاء الأنبياء عصمة أخلاقية وإيمانية منذ نعومة أظفارهم. تربيتهم في بيئة نبيلة تحت إشراف الوالدين جعلتهم مؤهلين للنبوة. في هذه الحالة، التسمية تعكس توقعات الله لمدى تحقيق هؤلاء الأنبياء لوظيفتهم، بناءً على علمه الاستقرائي بسيرتهم وتطورهم.
الجزء الثالث: الإرادة الإلهية والاصطفاء
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل اختيار النبي هو نتيجة لإرادة إلهية مطلقة قبل ولادته، أم هو نتيجة لاصطفاء مبني على معطيات شخصية وسيرة حسنة؟
• النبوة كاصطفاء إلهي: بناءً على الحوارات السابقة، يمكننا القول بأن النبوة ليست اكتسابًا شخصيًا، بل هي اصطفاء إلهي. يمكن للإنسان أن يصل إلى مستويات عالية من العصمة والتقوى، لكنه لن يصبح نبيًا ما لم يصطفه الله لهذا الدور. النبوة تشبه في هذا السياق منصب السفير؛ فالكثير من الناس قد يكونون مؤهلين، لكن الاصطفاء النهائي لهذا المنصب هو قرار يتخذ على مستوى أعلى.
• العلم الاستقرائي ودور البيئة: الله، بناءً على علمه الاستقرائي وليس علمًا أزليًا يتعلق بالأشياء المستقبلية بشكل قسري، يختار النبي بناءً على سيرته ونشأته. الأنبياء مثل إسحاق ويعقوب والمسيح ويحيى لم يمارسوا النبوة منذ ولادتهم، بل نشأوا في بيئة صالحة وتم تربيتهم على التفكير المنطقي والعمل الصالح، مما أهلهم ليكونوا أنبياء فيما بعد.
الخلاصة:
من خلال هذه الدراسة، يمكننا الوصول إلى أن أسماء الأنبياء في القرآن ليست اعتباطية، بل هي تعبير عن وظائفهم ورسالتهم. هذه الأسماء قد تكون وحيًا مباشرًا أو إلهامًا للوالدين. أما النبوة، فهي اصطفاء إلهي يستند إلى معطيات شخصية وسيرة حسنة، يتم اختيار النبي بناءً عليها وفقًا لإرادة الله وعلمه الاستقرائي. العصمة الأخلاقية التي يتمتع بها الأنبياء هي عصمة مكتسبة من خلال بيئتهم الصالحة وتربيتهم، لكنها تختلف عن العصمة المرتبطة بالتبليغ، والتي تتعلق بمادة الوحي وليس بالشخص نفسه.
بهذا الفهم، يمكننا أن نرى أن النبوة هي توازن بين الإرادة الإلهية والصفات الشخصية المكتسبة من البيئة والتربية، مما يجعل اختيار النبي متماشيًا مع كل من الطبيعة البشرية والعدالة الإلهي