فرق معاصرة ولدت من رحم السلفية
الجاميين والمدخليين والحدَّادين والسروريين والقطبيين
شهد القرن العشرون ظهور العديد من التيارات السلفية والجهادية التي انبثقت من رحم السلفية الوهابية. من بين هذه التيارات، برزت جماعات مثل الجاميين والمدخليين والحدادين والسروريين والقطبيين. ورغم أنهم جميعًا يدعون إلى العودة إلى منهج السلف الصالح، إلا أن تفسيراتهم وتطبيقاتهم لهذا المنهج اختلفت بشكل كبير، مما أدى إلى نشوء خلافات وصراعات داخلية بين هذه التيارات لدرجة التكفير والتناحر والعدوان.
التعريف بالجماعات
1. الجاميون:
• المؤسس: محمد أمان الجامي (1930-1996)، وهو من أصول حبشية.
• سافر محمد أمان الجامي إلى المملكة العربية السعودية لمواصلة دراسته الشرعية. هناك، التحق بالمعهد العلمي في مكة المكرمة، ثم انتقل للدراسة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. حصل على درجة البكالوريوس في الشريعة من الجامعة الإسلامية، ثم أكمل دراسته العليا في جامعة الأزهر بالقاهرة، حيث حصل على درجة الماجستير في العقيدة.
• بعد ذلك، عاد إلى المملكة العربية السعودية وبدأ التدريس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، حيث اشتهر بتدريسه وتفسيره للكتب العقائدية السلفية. كان له دور كبير في نشر الدعوة السلفية بين الطلاب والمجتمع السعودي.

• الدعوة: يدعو الجاميون إلى الطاعة المطلقة لولي الأمر، ورفض الخروج عليه مهما كانت الظروف. يعتبرون أن نقد الحكام فتنة، ويشددون على ضرورة اتباع السلف الصالح بحذافيرهم.
• التوجه: يميل الجاميون إلى تقديس الحكام الحاليين والدفاع عنهم بغض النظر عن سياساتهم أو ممارساتهم، مما أكسبهم سمعة السعي إلى تبرير الظلم وقمع المعارضة.
2. المدخليون:
المؤسس: ربيع بن هادي المدخلي، وُلد في عام 1932 في قرية الجرادية بمنطقة جازان، الواقعة في جنوب المملكة العربية السعودية حصل على درجة البكالوريوس في الشريعة من الجامعة الإسلامية، ثم أكمل دراساته العليا في نفس الجامعة، حيث حصل على درجة الماجستير في السنة النبوية.
أثناء فترة دراسته، تتلمذ على يد عدد من العلماء البارزين، ومنهم الشيخ عبد العزيز بن باز، الذي كان له تأثير كبير في تشكيل فكره السلفي.
• ..الدعوة: المدخليون يعتبرون أن الدفاع عن السلفية الوهابية هو الهدف الأسمى، ويركزون على نقد الجماعات الإسلامية الأخرى، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين. يشددون على ضرورة محاربة كل ما يعتبرونه بدعة أو انحرافًا عن منهج السلف، ويتميز بدعوة أتباعه إلى الطاعة المطلقة للحكام المسلمين ورفض النقد العلني للحكومات.
• التوجه: يتميز المدخليون بتشددهم في مسائل العقيدة ورفضهم لأي شكل من أشكال الديمقراطية والليبرالية، كما يتبنون فكرة التكفير لمن يخالفهم في الرأي.
3. الحدادين
المؤسس: محمود الحداد، وهو داعية من أصل مصري.
دراسته
بدأ محمود الحداد دراسته الشرعية في مصر، حيث درس على يد عدد من العلماء المحليين، وكان مهتمًا بالعلوم الشرعية والعقيدة السلفية. لاحقًا، انتقل الحداد إلى المملكة العربية السعودية لمواصلة دراسته في الحرم المكي والمدينة المنورة، حيث تتلمذ على يد بعض العلماء البارزين في التيار السلفي. هناك، انغمس بشكل أعمق في دراسة العقيدة السلفية، وتأثر بشكل كبير بمنهجها الصارم.
بعد أن أكمل دراسته، استقر محمود الحداد في المملكة العربية السعودية، حيث بدأ نشاطه الدعوي. أقام في المدينة المنورة لعدة سنوات، وهناك بدأ في تشكيل جماعته الخاصة من أتباعه الذين أصبحوا يُعرفون فيما بعد بـ”الحدادين” أو “الحدادية”.
تأثيره وأهم رجال في جماعته
محمود الحداد اشتهر بتشدده في مسائل العقيدة وتطبيقها بطريقة صارمة، حتى أنه كان يتهم أي شخص يخالفه بالرأي أو الاجتهاد بأنه خرج عن المنهج السلفي الصحيح، وهو ما أدى إلى عزله من قبل عدد كبير من علماء السلفية في السعودية وخارجها. يعتبر الحداد أن الالتزام الحرفي بمنهج السلف الصالح هو السبيل الوحيد للنجاة، وأي تساهل في هذا الالتزام يُعتبر بدعة وخروجًا عن الدين.
من أبرز أتباع محمود الحداد الذين ساهموا في نشر أفكاره:
1. عبد الله بن عبد الرحمن السعد: من الشخصيات البارزة التي تأثرت بأفكار الحداد وواصلت نشر تعاليمه في السعودية.
2. عبد العزيز الريس: أحد الدعاة الذين تأثروا بتيار الحدادية، وواصل الدعوة إلى الالتزام الصارم بمنهج السلف.
3. فالح بن نافع الحربي: كان من المقربين لمحمود الحداد، وساهم في نشر أفكاره داخل وخارج المملكة العربية السعودية.
محمود الحداد وأتباعه كانوا يُنتقدون بشكل واسع من قبل علماء السلفية الذين رأوا في نهجه تشددًا غير مبرر، وانحرافًا عن منهج السلف المتوازن. ورغم ذلك، يظل الحداد رمزًا للتشدد العقائدي لدى البعض، وأثره ما زال قائمًا بين مجموعات صغيرة من السلفيين المتشددين.
4- محمد شمس الدين هو أحد أبرز الشخصيات المرتبطة بتيار الحدادية على وسائل الميديا.
كان من الدعاة الذين تأثروا بأفكار محمود الحداد وتبنوا منهجه المتشدد في مسائل العقيدة والفقه. يُعتبر شمس الدين من بين الشخصيات التي ساهمت في نشر أفكار الحدادية والدفاع عنها، وكان له دور في تعزيز التوجهات المتشددة لهذا التيار.
• الدعوة: الحداديون يتميزون بتشددهم في مسائل العقيدة والفقه، ويعتبرون أن الخروج عن منهج السلف هو كفر. يركزون على نقد التيارات السلفية الأخرى، بما في ذلك المدخليين والجاميين، ويتهمونهم بالانحراف عن المنهج الصحيح.
• التوجه: يعتقد الحداديون أنهم حماة السلفية الحقيقية، مما أدى إلى نزاعات شديدة بينهم وبين الجماعات السلفية الأخرى.
4. السروريون:
المؤسس: محمد سرور زين العابدين (1938-2016)
محمد سرور زين العابدين وُلد في عام 1938 في بلدة حوران جنوب سوريا. وعلى الرغم من أن البعض يعتقد أن أصوله فلسطينية، إلا أنه سوري الأصل.
دراسته
بدأ محمد سرور دراسته في المدارس التقليدية في سوريا، حيث تعلم القرآن الكريم والعلوم الشرعية. في شبابه، انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، حيث تأثر بأفكارها الدعوية والتنظيمية. لاحقًا، التحق بالجامعة، حيث درس العلوم الشرعية وتخرج فيها.
بسبب ملاحقات النظام السوري لأعضاء الإخوان المسلمين، اضطر سرور إلى مغادرة سوريا في الستينيات وانتقل إلى المملكة العربية السعودية. هناك، عمل كمدرس واستمر في تعليمه ونشاطه الدعوي. في المملكة، تأثر محمد سرور بالفكر السلفي، مما أدى إلى تأسيسه لتيار خاص به يجمع بين العقيدة السلفية والتنظيم السياسي المستوحى من الإخوان المسلمين.
تأسيس التيار السروري
خلال إقامته في السعودية، بدأ محمد سرور في تطوير أفكاره، حيث جمع بين العقيدة السلفية المحافظة والمفاهيم السياسية والتنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين. هذه المزيج الفريد من الأفكار نتج عنه ما أصبح يُعرف بـ”التيار السروري”. هذا التيار يدعو إلى إقامة نظام إسلامي حقيقي يقوم على الشريعة، ويركز على العمل السياسي كجزء لا يتجزأ من الدعوة الإسلامية.
التيار السروري انتشر بشكل كبير في الخليج وأجزاء من العالم العربي، حيث وجد تأييدًا بين الشباب المتدينين الذين كانوا يبحثون عن صيغة تجمع بين التمسك بالعقيدة والعمل السياسي.
كتابه “وجاء دور المجوس”
واحد من أبرز أعمال محمد سرور هو كتابه “وجاء دور المجوس”، الذي نشره في أواخر السبعينيات. في هذا الكتاب، انتقد سرور الثورة الإيرانية ونظام الحكم الذي قام بعدها، ووصفه بأنه يمثل تهديدًا للإسلام السني. استخدم مصطلح “المجوس” للإشارة إلى القيادة الإيرانية، في إشارة إلى التراث الفارسي القديم والعداء التاريخي بين الفرس والعرب. هذا الكتاب أثار جدلاً واسعًا وأصبح مرجعًا لكثير من الإسلاميين في نقدهم للنظام الإيراني.
نشاطه في تأسيس حزب الأمة
بعد مغادرته السعودية بسبب تضييق السلطات على التيارات الإسلامية، استقر محمد سرور في الكويت، حيث واصل نشاطه الدعوي والسياسي. في الكويت، ساهم في تأسيس “حزب الأمة”، وهو حزب إسلامي معارض للنظم العربية التي لا تحكم بالشريعة الإسلامية. كما عمل على تعزيز التيار السروري وتوسيع انتشاره في العالم الإسلامي.
محمد سرور يُعتبر من الشخصيات المؤثرة التي تركت بصمة واضحة في الفكر الإسلامي السياسي الحديث، وخاصة في ما يتعلق بتطوير التيارات التي تجمع بين السلفية والعمل السياسي.
• الدعوة: يجمع السروريون بين العقيدة السلفية والمنهج السياسي للإخوان المسلمين. يدعون إلى إقامة نظام سياسي إسلامي ويعتبرون العمل السياسي جزءًا من الدعوة الإسلامية.
• التوجه: يتميز السروريون بنقدهم الشديد للأنظمة العربية الحاكمة، ويرون ضرورة تغييرها لتحقيق تطبيق الشريعة الإسلامية. يركزون على التعليم والدعوة باعتبارهما أدوات رئيسية لتحقيق هذا الهدف.
5. القطبيون:
• المؤسس: سيد قطب (1906-1966)، وهو مفكر مصري.
• الدعوة: يتميز القطبيون بأفكارهم حول الحاكمية والجاهلية الحديثة. يدعون إلى إقامة حكم الله في الأرض من خلال الثورة على الأنظمة الحاكمة التي يرونها كافرة.
• التوجه: يعتمد القطبيون على فكرة الجهاد كوسيلة للتغيير ويرون أن المجتمعات الحالية تعيش في جاهلية جديدة بسبب ابتعادها عن الشريعة.
الشخصيات البارزة في التيار القطبي
بعد إعدام سيد قطب في عام 1966، تبنى أفكاره مجموعة من الشخصيات التي أصبحت فيما بعد من أبرز رموز هذا التيار. من بين هؤلاء:
1. محمد عبد السلام فرج: يُعتبر أحد أبرز الشخصيات التي تأثرت بفكر سيد قطب. كتب كتاب “الفريضة الغائبة”، الذي يعتبر من أهم النصوص التي استلهمت فكر سيد قطب في الدعوة إلى الجهاد ضد الحكومات التي لا تحكم بالشريعة.
2. أيمن الظواهري: القائد السابق لتنظيم القاعدة، تأثر بشكل كبير بأفكار سيد قطب، خاصة فيما يتعلق بمفهوم الحاكمية والتكفير. الظواهري كان جزءًا من جماعة الجهاد المصرية التي نشأت على أساس فكري مستلهم من أفكار سيد قطب.
3. عبد الله عزام: يُعتبر من أبرز المنظرين لفكرة الجهاد العالمي. رغم أنه لم يكن مرتبطاً بشكل مباشر بجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن أفكاره كانت متأثرة بفكر سيد قطب، خاصة فيما يتعلق بالجهاد كوسيلة لتحقيق الحاكمية الإسلامية.
4. شكري مصطفى: قائد جماعة “التكفير والهجرة” في مصر، التي تأسست في سبعينيات القرن الماضي. كان شكري مصطفى من أبرز من تبنوا أفكار سيد قطب بشكل حرفي، وخاصة فكرة التكفير والهجرة من المجتمعات “الجاهلية”.
التناحر والتكفير بين هذه الجماعات
رغم انبثاق هذه الجماعات من نفس الرحم السلفي أوالإخواني، إلا أنها دخلت في صراعات داخلية شديدة، وصلت إلى حد التكفير والتحذير من بعضهم البعض. فعلى سبيل المثال:
• الجاميون والمدخليون: يتهم المدخليون الجاميين بالموالاة العمياء للحكام على حساب العقيدة، في حين يتهم الجاميون المدخليين بالتشدد الزائد والانحراف عن مقاصد الشريعة.
• الحدادينيون والمدخليون: الحدادينيون يرون أن المدخليين قد خرجوا عن المنهج السلفي الصحيح باتباعهم لآراء شخصية وتركهم النصوص الشرعية، مما أدى إلى تبادل الاتهامات بالانحراف والبدع.
• القطبيون والمدخليون: يختلف القطبيون بشكل حاد عن المدخليين في مسألة التكفير والحاكمية، حيث يرون أن الأنظمة الحاكمة كافرة ويجب الإطاحة بها، بينما يدعو المدخليون إلى الطاعة المطلقة للحكام ويرفضون فكرة الثورة.
• السروريون والقطبيون: رغم أن كلا التيارين يتبنى فكرة العمل السياسي والتغيير، إلا أن القطبيين يميلون إلى استخدام وسائل أكثر تطرفًا من السروريين، بما في ذلك العنف والتكفير.
التحذير من الفرقة والغلو في الدين
إن هذه التناحرات والاختلافات بين الجماعات السلفية والجهادية تعكس صورة سلبية عن الإسلام، وتؤدي إلى تشتت المسلمين وضعفهم. الإسلام دين الوحدة والعدالة، ويدعو إلى الحوار والاعتدال والتعارف والتعايش والحريات. لكن هذه الجماعات تتبنى الفكر المتشدد الذي لا يقبل الاختلاف، ويكرس التفرقة والتكفير.
الحل: العودة إلى كتاب الله ومنهجه
الحل لهذه الفتن هو الرجوع إلى كتاب الله، وتدبره وفق منهج منطقي وعلمي، بعيدًا عن التأويلات المتشددة والتفسيرات المغلوطة. يجب علينا أن نفكر بحرية ونستند إلى منهج اللسان العربي الذي نزل القرءان به، وندرسه وفق محل الخطاب من الواقع ضمن مفهوم المقاصد والمنافع لفهم النصوص الدينية، بدلاً من اتباع جماعة أو شيخ أو فرقة معينة. إن الإسلام دين شامل وعميق، ويجب أن نركز على التعارف والحرية، والتعايش، والتعاون بين الناس، بعيدًا عن التطرف والتعصب.
الخاتمة
في النهاية، لا بد من التأكيد على أن الإسلام دين وسطية واعتدال، يدعو إلى الوحدة ونبذ الفرقة. إن التناحر بين هذه الجماعات يشكل خطرًا على وحدة الأمة الإسلامية، والحل يكمن في العودة إلى كتاب الله والتفكير الحر الذي يتفاعل مع الواقع. يجب أن نبتعد عن الغلو والتطرف والتكفير، وأن نركز على المبادئ الأساسية للدين، التي تدعو إلى الحرية، العدالة، والتعايش السلمي.