عرض وتحليل
حزب الإخوان المسلمين وكيف هدد الأمن الاجتماعي
حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وُلد في 14 أكتوبر 1906 في مدينة المحمودية بمحافظة البحيرة في مصر. درس في مدرسة دار العلوم في القاهرة، حيث تخرج عام 1927. بعد تخرجه، عمل مدرسًا في مدينة الإسماعيلية، حيث أسس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928. ومنذ تأسيسها، شكلت جماعة الإخوان المسلمين نقطة تحول في الفكر السياسي الإسلامي، حيث سعت إلى إقامة دولة إسلامية قائمة على الشريعة.
حسن البنا توفي في 12 فبراير 1949، بعدما تعرض لاغتيال في ظروف مثيرة للجدل، وذلك بعد أن اشتدت الضغوط على جماعة الإخوان المسلمين من قبل السلطات المصرية، مما يعكس تعقيد العلاقات السياسية التي كان يسعى إلى تشكيلها.

التحالفات السياسية المثيرة للجدل
من المعروف أن حسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين قد أظهروا في بعض الأوقات نوعًا من التحالف أو التوافق مع النظام الملكي في مصر، وخاصة مع الملك فاروق. بعد تأسيس الجماعة، حاول البنا توسيع نفوذها والتأثير في الساحة السياسية من خلال بناء علاقات مع القوى القائمة في البلاد، بما في ذلك الملكية.
على سبيل المثال، خلال الحرب العالمية الثانية، كانت جماعة الإخوان المسلمين تُعتبر قوة سياسية صاعدة في مصر. وكانت الجماعة ترى في التحالف مع النظام الملكي وسيلة لتحقيق أهدافها، خاصة في ظل الحظر المفروض على الأحزاب السياسية والنشاطات السياسية المعارضة. ونتيجة لهذا التحالف الضمني، حصلت الجماعة على دعم من الملك فاروق وبعض النخب الحاكمة في البلاد، مما مكنها من توسيع نشاطاتها وتأثيرها.
تردد حسن البنا على السفارة البريطانية والدعم المالي
توجد مزاعم تفيد بأن حسن البنا كان على تواصل مع السفارة البريطانية في القاهرة، وأنه حصل على دعم مالي منها. هذه المزاعم جاءت في سياق الأوضاع السياسية المعقدة في مصر خلال فترة الاستعمار البريطاني، حيث كانت القوى الأجنبية تسعى للتأثير على الحركات السياسية المحلية لتحقيق مصالحها.
وفقًا لبعض الوثائق والمصادر التاريخية، يُقال إن البنا تردد على السفارة البريطانية عدة مرات خلال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين. وتذهب هذه المزاعم إلى أن البريطانيين رأوا في جماعة الإخوان المسلمين أداة يمكن استخدامها لمواجهة التيارات اليسارية والقومية الصاعدة في مصر في ذلك الوقت.
الدليل على هذه العلاقة يأتي من كتاب “التواطؤ البريطاني مع الإسلام الراديكالي” الذي ألفه مارك كيرتس، الباحث في المعهد الملكي للشؤون الدولية. يوثق الكتاب تفاصيل التعاون بين جماعة الإخوان المسلمين وبريطانيا في الفترة من 1936 إلى 1957. استغرقت هذه الدراسة أربع سنوات، واطلع خلالها الباحث على آلاف الوثائق والملفات السرية، خصوصًا تلك التي أُفرج عنها حديثًا. تكشف هذه الوثائق عن طبيعة العلاقة بين البنا وبريطانيا، وتشير إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تلقت تمويلًا ودعمًا لوجستيًا من البريطانيين لضمان ولائها أو على الأقل حيادها خلال فترة الاضطرابات السياسية.
تعريف دعوة الإخوان المسلمين وفقاً لحسن البنا
في كتابه “رسائل حسن البنا”، يعرّف حسن البنا دعوة الإخوان المسلمين بهذه الكلمات:
“نحن دعوة سلفية، لأنها تأمر بالرجوع إلى الإسلام النقي من شوائب التقليد، وفهمه كما كان يفهمه الصحابة والتابعون والأئمة المعتبرون. وطريقة سنية، لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء، وبخاصة في العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً. وحقيقة صوفية، لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب في الله، والارتباط على الخير. وهيئة سياسية، لأنهم يطالبون بإصلاح الحكم في الداخل، وتعديل النظر في صلة الأمة الإسلامية بالأمم الأخرى في الخارج، وتربية الشعب على العزة والكرامة والحرص على قوميته إلى أقصى حد.”
نقد وتحليل
يمكن تحليل كلام حسن البنا في هذا الاقتباس من عدة جوانب:
1. التضليل والخداع: استخدام البنا كلمات مثل “سلفية” و”صوفية” في سياق دعوة واحدة، مما قد يبدو متناقضاً. السلفية، التي تدعو للعودة إلى منهج الصحابة والتابعين، والصوفية، التي تركز على الجانب الروحي والتصوف، تعتبران في الفكر الإسلامي التقليدي تيارين مختلفين وربما متعارضين في بعض الأحيان. جمعهما معاً في دعوة واحدة يمكن أن يضلل الأتباع، حيث يبدو وكأنه يحاول إرضاء الجميع دون الالتزام بموقف فكري واضح، وهذا يفسر وجود اختلاف فكري ومنهجي في عناصر الحزب ويجمعهم أجندة الحزب فقط.
2. التجميع العاطفي: خطاب البنا يسعى لاستقطاب كافة الفئات من خلال نداءات تجمع بين العقيدة الصافية، الروحانية، والسياسة. هذه المحاولة لتغطية كافة الجوانب تشكل نوعاً من التجميع العاطفي، حيث يتوجه إلى مشاعر الأفراد المختلفة دون تقديم برنامج فكري أو سياسي متماسك، ويتبعون المقولة : جمع ثم ثقف.
3. تعطيل التفكير والنقاش: باعتماده على هذا التجميع العاطفي دون توفير أرضية فكرية واضحة للنقاش، يقوم البنا فعلياً بتعطيل التفكير النقدي داخل الجماعة. هذه الطريقة تجعل الأفراد يتبعون القيادة بدون مساءلة، ويقبلون بهذه المبادئ المتناقضة دون محاولة لفهم التناقضات الكامنة فيها.
4. مركزية السلطة: نهج البنا في تعريف الدعوة بهذه الطريقة يعزز من مركزية السلطة داخل الجماعة. الأتباع مدعوون لاتباع مجموعة واسعة من المبادئ التي تضعها القيادة دون نقاش، مما يعزز من سلطة القيادة على حساب التفكير الحر والنقدي داخل الجماعة.
تهديد الأمن الاجتماعي
منذ نشأته، ارتبط حزب الإخوان المسلمين بأيديولوجية تدعو إلى إقامة دولة إسلامية تعتمد على الشريعة. هذه الأيديولوجية تعارضت مع المبادئ العلمانية والديمقراطية التي تعتمد عليها معظم الدول الحديثة، مما أدى إلى توتر واحتكاك مع السلطات الحاكمة والمجتمعات المحلية.
1. التطرف والعنف: رغم أن الحزب يصرح علنياً بنبذ العنف، إلا أن هناك العديد من الجماعات المتطرفة التي انبثقت عنه أو تأثرت بأفكاره، مثل جماعة الجهاد الإسلامي وتنظيم القاعدة. هذه الجماعات تبنت أيديولوجية العنف لتحقيق أهدافها السياسية، مما أدى إلى تهديد الأمن الاجتماعي وزعزعة استقرار الدول.
2. الطائفية: الحركات الإسلامية التي تشكلت تحت مظلة حزب الإخوان المسلمين غالباً ما تسببت في تأجيج الصراعات الطائفية والدينية. التركيز على الهوية الدينية كعامل أساسي في السياسة أدى إلى تقسيم المجتمع إلى فئات متعارضة على أساس ديني، مما أدى إلى نزاعات داخلية قد تتحول إلى صراعات عنيفة.
تفريق المجتمع
1. الانقسام الاجتماعي: سعى حزب الإخوان المسلمين إلى تقسيم المجتمع إلى فئتين: “المسلم الحق” الذي يتبع أيديولوجية الحزب، و”الآخر” الذي لا يتبع هذه الأيديولوجية. هذا التصنيف خلق شعوراً بالعداء وعدم الثقة بين مختلف فئات المجتمع، مما أدى إلى تفكك الروابط الاجتماعية والوطنية.
2. الإقصاء السياسي: عند تولي الحزب السلطة في بعض الدول، كما حدث في السودان بعد انقلاب 1989، تبنى سياسة إقصائية تجاه القوى السياسية الأخرى. هذه السياسة عززت من الانقسامات الاجتماعية والسياسية، وأدت إلى نشوء حالة من الاستقطاب الحاد في المجتمع.
غسل أدمغة الشباب
حزب الإخوان المسلمين اعتمد بشكل كبير على نشر أفكاره بين الشباب من خلال شبكات تعليمية ودعوية واسعة النطاق. هذه الاستراتيجية كانت تهدف إلى غرس أيديولوجية الحزب في عقول الأجيال الجديدة، مما أدى إلى:
1. الاستغلال الفكري: من خلال المدارس والجامعات والجمعيات الخيرية، تمكن الحزب من استمالة عقول الشباب، مما أدى إلى تراجع القدرة على التفكير النقدي واتباع الأفكار المستقلة. تم تصوير أيديولوجية الحزب كالحل الوحيد لجميع مشاكل المجتمع، مما جعل الشباب عرضة للتأثيرات المتطرفة.
2. التجنيد والتعبئة: استخدم الحزب مؤسساته التعليمية والدعوية كأداة لتجنيد الشباب وتعبئتهم لصالح مشاريعه السياسية. هذا التجنيد لم يكن بالضرورة سلمياً، بل استخدم في بعض الأحيان لتشكيل مجموعات مسلحة أو تنظيمات تعمل في السر.
اختراع “الإسلام السياسي”
حزب الإخوان المسلمين كان رائداً في الترويج لمفهوم “الإسلام السياسي”، وهو فكرة أن الإسلام ليس مجرد دين روحاني، بل نظام سياسي واجتماعي واقتصادي شامل. هذا المفهوم كان له تأثيرات خطيرة على المجتمعات الإسلامية:
1. تسييس الدين: الإسلام السياسي يحول الدين إلى أداة سياسية، مما يؤدي إلى فقدان القيم الروحية وتحويلها إلى شعارات سياسية. هذا التسييس أدى إلى تشويه صورة الإسلام، حيث أصبح يُنظر إليه من خلال عدسة الصراعات السياسية بدلاً من كونه ديناً للسلام والرحمة.
2. تعزيز الاستقطاب الدولي: تبني الإسلام السياسي كإيديولوجية دفع ببعض الدول إلى الدخول في صراعات مع دول أخرى، سواء من خلال دعم حركات إسلامية متطرفة أو من خلال التأثير في سياسات الدول الإسلامية الأخرى. هذا أدى إلى تأجيج الصراعات الإقليمية والدولية وزيادة حدة العداء بين الشعوب.
نقد شامل
حزب الإخوان المسلمين لعب دوراً كبيراً في تشكيل الفكر السياسي الإسلامي المعاصر، ولكن هذا الدور كان محملاً بالكثير من المخاطر والآثار السلبية على المجتمعات العربية والإسلامية. من خلال تعزيز الانقسامات الداخلية، وزعزعة الأمن الاجتماعي، واستغلال الشباب، وخلق مفهوم “الإسلام السياسي”، ساهم الحزب في تعقيد المشهد السياسي والاجتماعي في العديد من الدول.
1. النفاق السياسي: حزب الإخوان المسلمين كان دوماً يرفع شعارات إسلامية نبيلة، لكنه في كثير من الأحيان تبنى ممارسات سياسية تناقض هذه الشعارات. التحالفات السرية، والاستراتيجيات الإقصائية، والتلاعب بالمشاعر الدينية، كلها أمور أظهرت تناقضات في نهج الحزب.
2. التأثير على الهوية الإسلامية: من خلال ترويج مفهوم الإسلام السياسي، ساهم الحزب في تشويه الهوية الإسلامية وتشتيت المسلمين بين ممارسات سياسية لا تمت للإسلام بصلة وبين القيم الروحية الحقيقية للدين.
في النهاية، يمكن القول إن وجود حزب الإخوان المسلمين كان ولا يزال مصدراً للتوتر والانقسام في المجتمعات التي عمل فيها. والنهج الذي اتبعه الحزب في تسييس الدين واستخدامه كأداة لتحقيق أهداف سياسية ترك أثرًا عميقًا على تلك المجتمعات، وأدى إلى تبعات سلبية لا تزال تُشعر بها حتى اليوم، ومعظم الحركات الإسلامية المسيسة خرجت من تحت عباءة حزب الإخوان ولو أن بعضها تطعم بالفكر السلفي، والأخطر من كل ذلك هو تحالف حزب الإخوان أو بعض فروعه مع دول معادية للمنطقة العربية.