هل “قثم” كان اسماً للنبي محمد سابقاً

يتناول هذا المقال التحقيق في صحة الروايات التي تذكر أن اسم النبي محمد كان “قثم” قبل البعثة، ويستعرض الأدلة التاريخية والنقدية التي تؤكد على صحة تسمية النبي محمد بهذا الاسم. كما يتطرق المقال إلى تحليل الروايات التي تناولت تسمية النبي محمد وتأكيد أن عبد المطلب هو الذي سماه بهذا الاسم، مستندًا إلى تعليقات العلماء والمحققين،. ويُبرز المقال مكانة القرآن الكريم باعتباره النص القديم المحفوظ الذي يسبق جميع الروايات ويؤكد على الاسم “محمد”.
1. القرآن الكريم كدليل رئيسي:
القرآن الكريم هو النص المقدس للمسلمين والذي يعتبر أقدم وأوثق النصوص التي تثبت اسم النبي محمد. وقد ورد ذكر اسم “محمد” في عدة مواضع في القرآن الكريم:
• {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (الفتح: 29)
• {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب: 40)
• {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} (آل عمران: 144)
• معنى كلمة “قثم” لسانياً:
معنى كلمة “قثم”: كلمة “قثم” في اللسان العربي تعني “الجمع” أو “الاحتفاظ بالشيء”.
قثم (مقاييس اللغة

القاف والثاء والميم أصلٌ يدلُّ على جمعٍ وإعطاء. من ذلك قولهم: قَثَمَ مِن مالِهِ، إذا أعطاه.
ورجلٌ قُثَمٌ: مِعْطاء.
ودلالة الكلمة مدح وليس ذماً، وقد استخدمت الكلمة في سياقات مختلفة عبر التاريخ، ولم يرد أن الكلمة استخدمت في الذم بسياق أسماء الأشخاص.
الرواية التي ذكرت اسم “قثم” والسند:
الرواية التي تذكر أن اسم النبي محمد كان “قثم” قبل البعثة جاءت في بعض كتب السيرة والتاريخ، ومن أشهر هذه الروايات ما جاء في “الطبقات الكبرى” لابن سعد.
النص الحرفي للرواية كما جاء في “الطبقات الكبرى” (المجلد الأول، صفحة 100): “أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ اسْمُ النَّبِيِّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قُثَمَ، فَسَمَّاهُ اللَّهُ مُحَمَّدًا”.
التحقيق في صحة الرواية:
ضعف السند:
• محمد بن عمر الواقدي: يُعتبر الواقدي ضعيفًا في الرواية. قال عنه الإمام أحمد بن حنبل: “الواقدي كذاب”. وقال البخاري: “متروك الحديث”.
• موقف العلماء:
• ابن حجر العسقلاني: في “فتح الباري”، يشير إلى أن الروايات التي تقول بأن “قثم” كان اسمًا للنبي محمد قبل الإسلام غير دقيقة ولا يوجد دليل قاطع عليها.
• ابن كثير: في “البداية والنهاية”، يشير إلى أن الرواية التي تذكر اسم “قثم” ليست من الروايات المعتمدة والمشهور بين المسلمين. ويؤكد ابن كثير على أن الاسم الذي ذكر في القرآن والسنة هو “محمد”، وأن الوثائق التاريخية الموثوقة لا تذكر اسم “قثم”.
• الألباني: في تحقيقاته للسيرة النبوية، يرفض صحة هذه الرواية، ويعتبرها من الروايات الضعيفة التي لا يوجد لها سند صحيح.
من سمى النبي محمد بـ”محمد”؟
الرواية: الرواية تقول أن عبد المطلب جد النبي محمد هو الذي سماه “محمد”.
النص الحرفي للرواية كما ورد في السيرة النبوية لابن هشام (المجلد الأول، الصفحة 159): “حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبيه، عن جده قال: لما وُلد رسول الله أُتي به عبد المطلب فسمّاه محمدًا، فقيل له: يا أبا الحارث، لم رغبت به عن أسماء أهل بيته؟ قال: أردت أن يحمده الله في السماء ويحمده الخلق في الأرض.”
سند الرواية:
• محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي: يُعتبر ثقة في الرواية.
• إبراهيم بن الحارث التيمي: ثقة.
• الحارث التيمي: غير مذكور في كتب الجرح والتعديل بشكل واضح، لكن اعتماده ضمن سلسلة الثقات يزيد من قوة الرواية.
موقف العلماء من الرواية:
• ابن هشام: اعتمد على هذه الرواية في سيرته النبوية واعتبرها موثوقة.
• ابن كثير: نقل نفس الرواية في “البداية والنهاية” واعتبرها مقبولة.
• الألباني: في تحقيقه لكتاب “فقه السيرة” للغزالي، علّق الألباني على هذه الرواية.
تعليق الألباني: “حديث تسمية عبد المطلب للنبي بمحمد، رواه ابن إسحاق بسند مرسل، وقد تابعه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه مرسلاً. والمرسل من أقسام الحديث الضعيف، ولكن يتقوى بكثرة الطرق.”
نص وثيقة صلح الحديبية:
وثيقة صلح الحديبية هي واحدة من أشهر الوثائق التي تثبت استخدام اسم “محمد” للنبي في المعاملات الرسمية. النص كما جاء في كتب السيرة: “بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو: اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين، يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض.”
الخلاصة:
بناءً على الأدلة القرآنية والتاريخية وموقف المحققين، فإن الاسم الثابت للنبي محمد هو “محمد”.
القرآن الكريم باعتباره النص القديم المحفوظ يثبت اسم النبي بشكل قاطع. والروايات التي تذكر اسم “قثم” تعتبر ضعيفة وغير مؤكدة، ولم يرد هذا الاسم في أي من الوثائق التاريخية الموثوقة أو النصوص القرآنية. والوثائق التاريخية مثل صلح الحديبية ورسائل النبي محمد إلى الملوك تؤكد استخدام اسم “محمد” في المعاملات الرسمية، مما يعزز اليقين في هذا الاسم. المحققون يؤكدون ضعف الروايات التي تذكر اسم “قثم” ويشيرون إلى تقوية رواية تسمية عبد المطلب للنبي بمحمد بكثرة الطرق.