تقزيم عظمة الخلق بين وهم الأرض المسطحة وعظمة الإبداع الإلهي
لا شك أن الكون الذي نعيش فيه مليء بالأسرار التي لم تُكتشف بعد، مما يدعو الإنسان إلى التأمل والتفكر في عظمة الخالق وقدرته على الإبداع. ومع تطور العلوم والفلسفة، أصبح لدينا أدوات علمية ومنهجية تساعدنا على فهم هذا الكون المهيب بشكل أفضل. ومع ذلك، هناك أفكار تعود إلى العصور القديمة تُروج لاعتقادات خاطئة، مثل فكرة أن الأرض مسطحة وأنها مركز الكون، وأن الشمس والقمر مجرد أجرام صغيرة تدور فوق الأرض في قبة مغلقة. هذه الأفكار ليست فقط غير منطقية في ضوء العلم الحديث، لكنها أيضًا تقزيم لعظمة خلق الله وقدرته.
أولاً: المنظور العلمي لتكوين الكون: العلم الحديث، من خلال الاكتشافات الفلكية والفيزيائية، يقدم لنا صورة شديدة التعقيد والإعجاز عن الكون. الأرض ليست سوى كوكب صغير يدور حول نجم متوسط الحجم، وهو الشمس، في مجرة ضخمة تحتوي على مئات المليارات من النجوم. وهذه المجرة هي واحدة من مليارات المجرات في الكون. فكرة أن الأرض هي مركز الكون، وأن الشمس والقمر مجرد أجرام صغيرة تدور حولها، لا تتوافق مع الأدلة العلمية الكثيرة.
الأدلة العلمية التي تضع الأرض في موقعها الصحيح ضمن هذا الكون الواسع تتضمن:
• قانون الجاذبية الكونية: يوضح أن كل الأجرام في الكون تجذب بعضها البعض، وأن مدار الأجرام السماوية حول الشمس، بما في ذلك الأرض، يتم تفسيره من خلال هذا القانون.
• الضوء وسرعته: الذي يكشف لنا أن الضوء القادم من النجوم والمجرات البعيدة يستغرق ملايين السنين للوصول إلى الأرض، مما يعني أن الكون أكبر بكثير مما يمكن أن نتصوره.
• الصور الفلكية والملاحظات التلسكوبية: التي أثبتت أن الأرض كروية وليست مسطحة، وأنها تدور حول الشمس وليس العكس.
ثانياً: المنطق والفلسفة في مواجهة الفرضيات القديمة: من الناحية الفلسفية، تعتمد فكرة أن الأرض مسطحة على تصورات بدائية للكون، عندما كان البشر يفتقرون إلى الوسائل العلمية المتقدمة لفهم الطبيعة. ولكن مع تقدم المعرفة، أصبحت هذه الأفكار غير قابلة للدفاع عنها.
الفلسفة، كما العقل، تقتضي منا أن نراجع معلوماتنا في ضوء الأدلة الجديدة، وأن نرفض ما يخالف العقل والمنطق.
منطقياً، من غير المعقول أن يكون الكون، بهذه الضخامة التي نعلمها اليوم، محصورًا تحت قبة مغلقة. هذا الفهم يتعارض مع مفهوم القدرة الإلهية المطلقة التي أوجدت كونًا لا نهائيًا في عظمته واتساعه.
ثالثاً: القرآن والعظمة الإلهية: القرآن الكريم يدعو الإنسان إلى التفكر في آيات الله في الكون. قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]. هذه الآية وغيرها من الآيات تؤكد أن خلق السماوات والأرض وآياته فيها دليل على عظمة الخالق وقدرته على الإبداع.
إعادة الأرض إلى مركز الكون وتقليص دورها إلى كوكب مسطح تحت قبة مغلقة هي تقزيم لقدرة الله على خلق هذا الكون الواسع. يقول الله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47]. هذه الآية تشير إلى توسع الكون، وهو ما أثبته العلم الحديث. الكون يتوسع بشكل مستمر، وهذا يتطلب قدرات إلهية هائلة لا يمكن حصرها تحت قبة صغيرة.
الخاتمة
إن الفكرة القائلة بأن الأرض مسطحة وأنها مركز الكون هي فكرة تعود إلى عصور الجهل وعدم المعرفة. ومع تطور العلم والفلسفة، أصبح واضحًا أن هذا الكون أكبر وأعظم مما يمكن أن نتخيله. الفهم السليم لعظمة الخلق الإلهي يتطلب منا الاعتراف بأن الكون ليس محصورًا تحت قبة صغيرة، بل هو واسع ولا نهائي، مما يعكس عظمة الخالق وقدرته المطلقة. يتعين علينا أن نستخدم الأدلة العلمية والفكر المنطقي المستند إلى القرآن الكريم لتفهم هذا الكون الذي هو تجلي لعظمة الخالق في إبداعه وتنظيمه.