الخميني ودوره في تدمير البلاد العربية
يُعد روح الله الموسوي الخميني من أبرز الشخصيات في تاريخ إيران الحديث، حيث لعب دورًا محوريًا في الإطاحة بنظام الشاه محمد رضا بهلوي وتأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران عام 1979. تُثار العديد من الأسئلة حول نشأة الخميني، وتكوينه الفكري، والعلاقات التي أقامها، وكيف تمكن من تحويل أفكاره إلى واقع سياسي، ومدى تأثيره على المنطقة العربية حتى يومنا هذا. كما أن فتاواه وآراؤه الفقهية كانت موضع جدل كبير، خاصة فيما يتعلق ببعض الأحكام الشاذة والمثيرة للجدل.
النشأة والمولد
ولد روح الله الموسوي الخميني في 24 سبتمبر 1902 في مدينة خمين، وهي مدينة صغيرة تقع في وسط إيران، لعائلة دينية تنتمي إلى طبقة رجال الدين الشيعة. والده، مصطفى موسوي، كان عالم دين، وقد قُتل في مواجهات مع السلطات المحلية عندما كان الخميني في سن الخامسة، مما أثر على طفولته ونشأته بشكل كبير. نشأ الخميني في بيئة مليئة بالكتب والدراسات الدينية، مما أسهم في تكوينه الفكري والديني منذ سن مبكرة.
الدراسة والتوجهات الدينية
بدأ الخميني دراسته الدينية في مدينته خمين، ثم انتقل إلى مدينة أراك لاستكمال دراسته. في عام 1922، انتقل إلى قم، حيث واصل دراسته في الحوزة العلمية، وهي مركز ديني هام للشيعة. في قم، تأثر الخميني بعدد من العلماء البارزين، أبرزهم الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي، الذي كان له دور كبير في تشكيل أفكار الخميني الفقهية والفلسفية. خلال فترة دراسته، برز الخميني كشخصية مؤثرة في الوسط الديني، وبنى شبكة من العلاقات مع علماء الدين والشخصيات المؤثرة في المجتمع الإيراني.

السفر والإقامة في الخارج
في عام 1963، انتقد الخميني علنًا سياسات الشاه محمد رضا بهلوي، مما أدى إلى اعتقاله ونفيه من إيران في 1964. تم نفيه في البداية إلى تركيا، حيث أقام لفترة قصيرة، ثم انتقل إلى العراق واستقر في مدينة النجف، التي تعتبر من أهم المدن الدينية الشيعية. في النجف، واصل الخميني تدريس العلوم الدينية وبدأ في تطوير نظريته حول “ولاية الفقيه”، التي أصبحت لاحقًا الأساس الفقهي للجمهورية الإسلامية.
في عام 1978، وتحت ضغوط سياسية من النظام العراقي، انتقل الخميني إلى فرنسا، حيث استقر في ضاحية نوفل لوشاتو بالقرب من باريس. كانت إقامته في فرنسا نقطة تحول هامة في مسيرته، حيث استغل البيئة المفتوحة ووسائل الإعلام الدولية للترويج لأفكاره الثورية. خلال فترة إقامته في فرنسا، التقى الخميني بعدد من الشخصيات السياسية والصحفيين الفرنسيين الذين ساعدوه في نشر أفكاره، رغم أن التفاصيل الدقيقة حول هؤلاء الأشخاص محدودة.

احتضان الغرب وإسقاط الشاه
تعتبر فترة إقامة الخميني في فرنسا من أهم الفترات التي ساعدته في تجنيد الدعم الدولي لقضيته. يرى بعض المحللين أن الغرب، وخاصة فرنسا والولايات المتحدة، احتضنوا الخميني ورأوا فيه بديلاً للشاه محمد رضا بهلوي الذي كان قد أصبح عبئًا على سياساتهم في المنطقة. يُعتقد أن الدعم الغربي للخميني لم يكن بريئًا، بل كان هدفه الأساسي هو الإطاحة بنظام الشاه واستبداله بنظام إسلامي يضمن استقرار المنطقة بما يخدم مصالحهم.
خلال إقامته في فرنسا، بدأ الخميني ببث خطاباته المسجلة عبر شرائط الكاسيت التي تم تهريبها إلى إيران، مما زاد من حدة التوتر داخل البلاد وأدى في النهاية إلى نجاح الثورة الإسلامية في فبراير 1979.
ابتكار مفهوم ولاية الفقيه
واحدة من أكثر الأفكار التي ساهمت في تعزيز نفوذ الخميني هي فكرة “ولاية الفقيه”. ابتكر الخميني هذا المفهوم الذي يجيز للحاكم الفقيه أن يتولى السلطة السياسية والروحية في الدولة. هذا المفهوم لم يكن جزءًا من التراث الشيعي التقليدي، ولكنه نجح في إقناع العديد من الشيعة بقبوله عبر تأويلات دينية وسياسية.
الآراء الفقهية المثيرة للجدل
تميز الخميني بآراء فقهية مثيرة للجدل، كانت محط انتقادات واسعة داخل وخارج إيران. من أبرز تلك الفتاوى، الفتوى المتعلقة بجواز “مفاخذة الرضيعة”. في كتابه تحرير الوسيلة، يذكر الخميني إمكانية استمتاع الرجل بطفلة رضيعة طالما لم يتم الدخول بها، وهو ما أثار انتقادات كبيرة وشكل صدمة للكثيرين.
بالإضافة إلى ذلك، يُقال إنه مارس بعض هذه الفتاوى المثيرة للجدل بشهادة عدد من المقربين منه، وهو ما وثقه مؤلفون مثل “حسن مصطفى الزرقاني” في كتابه لله… والتاريخ، حيث يعرض الكتاب جوانب مظلمة من حياة الخميني وفتاواه التي يعتبرها الكثيرون شاذة وبعيدة عن تعاليم الإسلام التقليدية.
غير فتواه بهدر دم سلمان رشدي مؤلف آيات شيطانية
النتائج والتداعيات
بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية، أعلن الخميني نفسه “إمامًا” وأعطى نفسه صفات شبه معصومة، مما جعله يقود البلاد إلى حرب مدمرة مع العراق (1980-1988) والتي خلفت ملايين القتلى والمصابين دون تحقيق أي نصر واضح. هذه الحرب أضعفت إيران والعراق على حد سواء وأدت إلى تأزم الأوضاع في المنطقة.
الخطر على المنطقة العربية
لم تقتصر آثار سياسات الخميني على إيران فحسب، بل امتدت إلى المنطقة العربية بأسرها. كان دعمه للحركات الشيعية في لبنان والعراق واليمن سببًا في زعزعة استقرار العديد من الدول العربية. حتى اليوم، يظل تأثير هذه السياسات واضحًا، خاصة مع استمرار الدعم الإيراني لجماعات مثل حزب الله والحوثيين.
الترويج للقضية الفلسطينية: التفاهم والخداع
منذ البداية، تبنى الخميني موقفًا داعمًا للقضية الفلسطينية في خطاباته وبياناته، وكان هدفه الرئيسي هو جذب المقاومة الفلسطينية والعديد من الجماهير العربية والإسلامية إلى جانبه. وبهذه الطريقة، تمكن من بناء تحالفات مع بعض الفصائل الفلسطينية التي رأت في دعم إيران فرصة لتعزيز مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. هذا الدعم كان يتجلى في شكل تمويل وتدريب وتسليح، مما جعل بعض الفصائل الفلسطينية ترتبط بشكل كبير بإيران.
لكن الواقع يكشف أن إيران، بقيادة الخميني ومن بعده، لم تكن تهدف إلى تحرير فلسطين بقدر ما كانت تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة في المنطقة. لقد استغلت إيران القضية الفلسطينية كذريعة للتدخل في شؤون الدول العربية ومحاولة فرض هيمنتها الإقليمية، مما جعل بعض الفصائل الفلسطينية بمثابة أذرع إيرانية لتحقيق الأجندة الإيرانية.
غدر إيران بالمقاومة الفلسطينية: الحقائق على الأرض
على الرغم من أن إيران استمرت في الترويج لدعمها للمقاومة الفلسطينية، إلا أن الحقائق على الأرض تشير إلى أن إيران تخلت عن المقاومة الفلسطينية عندما تعارضت مصالحها مع مصالحهم. حيث استغلت طهران حماس وغيرها من الفصائل لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية على حسابهم. ومن الأمثلة على ذلك، تقارب إيران مع بعض القوى الدولية والإقليمية التي تضعف القضية الفلسطينية، مما يعكس ازدواجية موقفها.
كما أن إيران سعت إلى نشر مذهبها الشيعي في الأراضي الفلسطينية، وهي خطوة تتعارض بشكل كبير مع عقيدة الأغلبية السنية للفلسطينيين. هذا السلوك أدى إلى توتر العلاقات بين إيران وبعض الفصائل الفلسطينية، وكشف عن نوايا إيران الحقيقية في المنطقة.
الموقف الإيراني من المسجد الأقصى: تجاهل عقائدي
أحد النقاط المثيرة للجدل في الموقف الإيراني هو تجاهل الشيعة الإيرانيين، خاصة كبار علمائهم، للمسجد الأقصى باعتباره موقعًا مقدسًا. يشير كبار علماء الشيعة إلى أن المسجد الأقصى المذكور في القرآن ليس هو المسجد الموجود في القدس، بل هو مسجد في السماء. هذه العقيدة تعكس عدم اهتمام إيران الحقيقي بالقدس كقضية دينية، مما يكشف عن الطبيعة الدعائية لمواقفها المعلنة تجاه فلسطين.
إضافة إلى ذلك، فإن التركيز الإيراني على قضايا أخرى، مثل دعم الأنظمة والحركات الموالية لها في المنطقة، يكشف عن الأجندة الحقيقية لطهران، والتي تتمحور حول تعزيز نفوذها الإقليمي على حساب القضايا العربية والإسلامية الكبرى، بما في ذلك قضية فلسطين.
من خلال استغلالها للقضية الفلسطينية، تمكنت إيران من تحقيق مكاسب سياسية وإقليمية كبيرة. لكن هذا الاستغلال كان على حساب الفلسطينيين والقضية الفلسطينية نفسها. يجب على الشعوب العربية والإسلامية أن تدرك أن دعم إيران لفلسطين ليس نابعًا من التزام حقيقي، بل هو جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة. إن فهم هذه الحقيقة أمر حيوي لمواجهة التحديات التي تواجه المنطقة العربية اليوم، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة بين إيران ودول الجوار العربي.
وفاته وإرثه
توفي الخميني في 3 يونيو 1989 بعد معاناة طويلة من المرض. بعد وفاته، ظل إرثه وتأثيره مستمرين في إيران والمنطقة بشكل عام. ترك خلفه نظامًا سياسيًا مستندًا إلى “ولاية الفقيه” وصاحب مشروع فارسي شيعي متطرف دموي توسعي يهدف إلى تصدير الثورة والهيمنة على البلاد العربية، والذي يستمر في تشكيل السياسات الداخلية والخارجية لإيران حتى اليوم. كما أن تأثير أفكاره ما زال يلقي بظلاله على المنطقة، حيث أن حركات مثل حزب الله في لبنان وجماعات أخرى في العراق واليمن تابعة له وصارت بمثابة أذرع عسكرية لإيران في المنطقة تضرب بهم وتخلخل الأنظمة من خلالهم.
الخاتمة
تمثل شخصية الخميني حالة فريدة في التاريخ الحديث، حيث نجح في تحويل أفكاره الدينية والسياسية إلى واقع ملموس أثر بشكل كبير على إيران والمنطقة العربية. وعلى الرغم من مرور عقود على وفاته، يظل تأثيره محسوسًا، ويواصل تشكيل السياسات الداخلية والخارجية لإيران، وكذلك التأثير على استقرار المنطقة العربية. فتاواه المثيرة للجدل وأحكامه الشاذة تستمر في إثارة النقاش حول إرثه وتأثيره العميق على العالم الإسلامي.