من هو السامري صاحب العجل؟
تُعَدُّ قصة السامري من القصص القرآنية المثيرة التي تحمل في طياتها العديد من الدروس والعبر. تروي هذه القصة أحداث ما بعد نجاة بني إسرائيل من فرعون، وكيف أن أحد أفرادهم صنع لهم عجلاً ليعبدوه، مما أدى إلى فتنة عظيمة. تعتمد هذه الدراسة على تحليل النصوص القرآنية المتعلقة بهذه القصة واستعراض الدوافع النفسية والاجتماعية والسياسية لها، مع توضيح الجوانب اللغوية المرتبطة بكلمة “السامري”.
تعريف السامري
كلمة “السامري” ليست اسم علم لشخص معين، وإنما هي نسبة لفعل “سمر”. تحليل الكلمة لسانياً يوضح التالي:
• س: يدل على الحركة الحرة الخفيفة.
• م: يدل على جمع وضم متصل.
• ر: يدل على التكرار.
بهذا، يمكن فهم “السامري” على أنه الشخص الذي يُشغل الآخرين بالحديث ويبث فيهم الحيرة والضياع لدفعهم إلى البعد عن الحق، وهو ما يتناسب مع دوره في القصة حيث أبقى بني إسرائيل في حالة من الفتنة والجدل والضلال.
السامري وقصة العجل
يَظهر السامري في سورة طه ضمن السياق الذي يروي كيفية ضلال بني إسرائيل بعد أن تركهم نبي الله موسى عليه السلام لميقات ربه. استغل السامري غياب موسى ليصنع عجلاً مجوفاً من الذهب {قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ }طه87، {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} (طه: 88). يدخل الهواء من دبره فيخرج من فمه بشكل خوار، زاعماً أن هذا العجل هو إله بني إسرائيل الذي يجب أن يعبدوه.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: “قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)” (طه: 95-97).
دراسة أثر الرسول والعجل
حقيقة العجل
العجل الذي صنعه السامري كان جسدًا مجوفًا يصدر صوتًا نتيجة دخول الهواء وخروجه منه: “فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ” (طه: 88).
• جسد مجوف: العجل كان تمثالًا مصنوعًا من الذهب ومجوفًا بحيث يدخل الهواء من دبره ويخرج من فمه، محدثًا صوت الخوار.
• لا حياة فيه: العجل جسد لم يكن حيًا بل كان مجرد تمثال.
أثر الرسول
“بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ”:
• بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ: السامري أدرك فكرة أو مفهوما إيمانيًا لم يدركه الآخرون.
• فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ: السامري استغل هذا الفهم والمفهوم الإيماني من تعليمات النبي موسى (أثر معنوي) واستغل هذا الإدراك لتحريف الفكرة وبناء عبادة العجل.
استغلال السامري للمعرفة
السامري استخدم معرفته الروحية والفهم الإيماني الذي اكتسبه من تعليمات النبي موسى بشكل منحرف، لخلط الحق بالباطل وخداع بني إسرائيل:
• العلم والإغواء: السامري استغل معرفته بالمفاهيم الروحية والدينية لبني إسرائيل لتحريف الحقائق.
• الخداع النفسي: استخدم السامري أساليب نفسية لإقناع بني إسرائيل بعبادة العجل، معتمدًا على جهلهم وميولهم للتجسيد والتقليد.
• الاستغلال الاجتماعي والسياسي: استغل السامري غياب موسى والفراغ القيادي بين بني إسرائيل للسيطرة عليهم وتوجيههم نحو عبادة العجل.
تحليل الدوافع والسلوك
الدوافع النفسية والاجتماعية
يُعتبر السامري شخصية ذات رؤية مبتكرة، لكنه استخدم معرفته بشكل خاطئ لتحقيق أغراضه:
• الدوافع النفسية: السامري كان يسعى للسيطرة والتأثير على بني إسرائيل باستخدام المعرفة الدينية وتحريفها.
• الاستغلال الاجتماعي: استغل السامري الميل البدائي لدى بني إسرائيل للتجسيد والعبادة المادية، مستغلًا غياب القيادة الشرعية لموسى.
العقاب والتداعيات
العقاب الذي ناله السامري كان متمثلاً في العزلة الاجتماعية “لَا مِسَاسَ”، وهي عقوبة رمزية تعكس النبذ الاجتماعي والفصل عن المجتمع:
• العقوبة الاجتماعية: عزل السامري يعكس جزاء الاستغلال الديني والسياسي للمعرفة.
• التداعيات المستقبلية: العقوبة كانت درسًا لبني إسرائيل وللأجيال القادمة حول عواقب الضلال والانحراف عن الحق.
السامري في الكتب السابقة لأهل الكتاب
في كتب أهل الكتاب، تظهر قصة العجل الذهبي بتفاصيل مختلفة. في التوراة، تحديداً في سفر الخروج، تُذكر القصة باسم “عجل الذهب” حيث يُنسب صنع العجل إلى هارون بناءً على طلب بني إسرائيل أثناء غياب موسى على جبل سيناء. هذا العجل كان مصنوعاً من الحلي الذهبية التي جمعها هارون من الشعب وصهرها في قالب صنع منه العجل. عندما رأى موسى العجل وعبادة الشعب له، غضب وحطم لوحي الشريعة التي كان يحملها. ثم أمر موسى بحرق العجل وطحنه إلى مسحوق وذره على الماء وجعل بني إسرائيل يشربونه كنوع من العقاب والتطهير.
التناقض بين الرواية القرآنية ورواية أهل الكتاب
تتعارض الرواية القرآنية مع رواية أهل الكتاب بشأن من صنع العجل. يُنسب في القرآن صنع العجل إلى السامري وليس إلى النبي هارون أخوه للنبي موسى، وهذا يدل على وجود الطعن في النبيين في ثقافة أهل الكتاب والكذب عليهم، ويدل على أن هذه التفاصيل هي مما دس في التوراة وليس منها. يوضح النص القرآني ذلك: “وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ” (الأعراف: 150).
الخلاصة
قصة السامري هي تحذير من الفتن التي يمكن أن تقع فيها المجتمعات بسبب أفراد يمتلكون المعرفة ولكنهم يسيئون استخدامها. إن دراسة سلوك السامري ودوافعه وتحليلها في ضوء السياق القرآني والنفسي والاجتماعي والسياسي يوفر لنا فهماً أعمق للفتن وكيفية تجنبها، ويسلط الضوء على أهمية الوعي الاجتماعي والديني في حماية المجتمعات من الانحرافات الفكرية والدينية.
بهذا التحليل، يظهر أن الفهم العميق للسان العربي والسياق الاجتماعي والديني يمكن أن يُعزز من فهمنا للقصص القرآنية وأبعادها المتعددة، مما يساعد على استخلاص الدروس والعبر المناسبة لكل زمان ومكان.