مفهوم “المعلوم من الدين بالضرورة”
هو مصطلح شاع في الأوساط الفقهية والفكرية الدينية للإشارة إلى الأمور التي يُفترض أن يعرفها كل مسلم من دينه، بحيث لا يجوز لأحد جهلها أو إنكارها. هذه الفكرة ترتبط عادة بأمور تتعلق بالإيمان الأساسي والوصايا العشر والعبادات الكبرى التي تتكرر في حياة المسلم، مثل توحيد الله بالعبادة والمحرمات ،ولكن يوجد جدل حول طبيعة هذا المفهوم، وما إذا كان يستند إلى نصوص قرآنية، إيمانيات، قواعد منطقية ثابتة، أم أنه مجرد اصطلاح اجتهادي قد يختلف حسب السياق التاريخي والثقافي.
النص القرآني والمعلوم من الدين بالضرورة:
من ناحية القرآن الكريم، لا توجد آية تشير بشكل مباشر إلى “المعلوم من الدين بالضرورة” كمفهوم مصطلحي. ومع ذلك، يمكن أن نجد في القرآن توجيهات تتعلق بالمبادئ العامة والأساسية للدين، مثل التوحيد واتباع ما أُنزل من الوحي. على سبيل المثال، قال تعالى:
{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (النساء: 36)
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90
وهذه الأحكام تعد جزءًا مما يعرفه الناس عمومًا من الدين.
لكن إذا كانت هناك مسائل أخرى قد لا تكون معروفة بشكل واسع أو قد تكون خاضعة لتأويلات فقهية، فإنها قد لا تدخل ضمن هذا المفهوم، وبالتالي، فإن المفهوم لا يعتمد بالضرورة على ثبات نص قرآني مباشر.
مفهوم الإلزام والاصطلاح:
من حيث الإلزام، “المعلوم من الدين بالضرورة” يُعتبر اصطلاحًا توافق عليه الفقهاء لتحديد ما ينبغي على المسلم معرفته، ولكن هذا لا يعني أنه ثابت أو ملزم لكل أحد بالضرورة. على مر التاريخ، تغيرت مفاهيم ما يعتبر “ضروريًا” في الدين مع توسع الفهم والتأويلات والاجتهادات. بمعنى أن ما كان يعتبر معلومًا من الدين بالضرورة في سياق معين قد لا يكون بنفس الأهمية في سياقات أخرى.
القاعدة المنطقية:
من الناحية المنطقية، لا يمكن القول بأن “المعلوم من الدين بالضرورة” يمثل قاعدة منطقية ثابتة، لأن الأمور التي تعتبر “معروفة بالضرورة” تختلف بين المجتمعات وقد تتأثر بالأعراف والعادات. فإذا كان المفهوم يشير إلى ما هو شائع بين الناس ومتفق عليه، فهذا لا يعني بالضرورة أنه يتمتع بصحة دينية قاطعة. على العكس، يجب أن يتم توثيق ثوابت الدين بالبرهان القرآني وبالتدبر المنطقي، وليس بالاستناد فقط إلى الشيوع أو الانتشار.
البرهان القرآني:
المبدأ الأساسي الذي يمكن أن يؤسس لـ”المعلوم من الدين بالضرورة” يجب أن يكون برهانه قائمًا على نص قرآني قطعي الدلالة يتعلق بالإيمان أو بالأحكام ولا يتناول النصوص الأخرى القصصية أو الكونية لأن موضوعها ليس دينياً وبالتالي، يمكن القول إن أي مفهوم يعتبر “ضروريًا” في الدين يجب أن يُبنى على نص قرآني قطعي الدلالة.
على سبيل المثال، الأمور التي تتعلق بوحدانية الله وتوحيده بالعبادة والوصايا العشر والإيمان باليوم الآخر والركائز الأساسية من المحرمات هي أمور واضحة في النصوص القرآنية، ولا يُعذر المسلم بجهلها إذا توفرت لديه القدرة على التعلم والفهم. لكن في مسائل أخرى أقل وضوحًا أو شيوعًا، قد تكون معرفتها غير ضرورية لكل مسلم.
هل هو شائع بين الناس؟
الشيوع لا يعتبر بالضرورة مقياسًا لصحة المعلوم من الدين بالضرورة. على سبيل المثال، قد تنتشر مفاهيم خاطئة بين الناس ويتم اعتبارها جزءًا من الدين رغم أنها قد لا تكون موجودة في النصوص القرآنية أو تفتقر إلى برهان ثابت. وبالتالي، يجب العودة دائمًا إلى القرآن والبرهان المنطقي والعقلي للتحقق من صحة أي مفهوم يُدعى أنه “معلوم من الدين بالضرورة”.
الخلاصة:
• “المعلوم من الدين بالضرورة” هو اصطلاح فقهي واجتهادي وليس مفهومًا نصيًا من القرآن، ولا يمكن اعتباره قاعدة منطقية ثابتة.
• ما يعتبر معلومًا من الدين يجب أن يُبنى على نصوص قرآنية واضحة أو استنتاجات منطقية ثابتة.
• الشيوع أو الانتشار لا يعني صحة المفهوم، ويجب دائمًا التحقق من الثوابت الدينية عبر البرهان القرآني.
بالتالي، يُفترض أن يكون “المعلوم من الدين بالضرورة” جزءًا من ثوابت الدين المثبتة بالبرهان القرآني، وليس مجرد مفهوم شائع أو متداول بين الناس.
اضف تعليقا