مفهوم نص “ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض”
النص القرآني {ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا} (الكهف: 51) يُشير إلى حقيقة أساسية وهي أن البشر لم يكونوا شهودًا واعين أو حاضرين عند بداية خلق السماوات والأرض، ولا حتى في خلق أنفسهم. هذه الآية تنفي الشهادة المباشرة على تلك الأحداث، لكن ذلك لا يعني نفي القدرة الإنسانية على التعلم أو فهم كيفية حدوث الخلق عبر الدراسة والعلم.
في سياق نفي الشهادة، ينبغي التفريق بين “شاهد” كاسم فاعل و”شهيد” كصفة مشبهة باسم الفاعل. الشاهد قد يشهد على شيء بناءً على معطيات الواقع وتحليله، في حين أن الشهيد يدل على الحضور الواعي والمباشر للحدث. فالشهادة المنفية في الآية هي شهادة “شهيد”، أي أن الإنسان لم يكن حاضرًا عند حدوث تلك الوقائع، ولم يشهدها بشكل مباشر أو واعٍ. هذا النفي لا يعني أنه غير قادر على معرفة كيفية حدوث الخلق عبر البحث العلمي والدراسة.
لتوضيح هذا المفهوم بشكل أكبر، يمكننا استخدام المثال القرآني {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا} (يوسف: 26). في هذه الآية، الشاهد لم يكن حاضرًا في لحظة وقوع الحدث (حادثة يوسف مع امرأة العزيز)، لكنه استخدم المنطق والتحليل لاستنباط الحقيقة. فقد استدل بناءً على الدليل الموجود (قميص يوسف الممزق من الخلف) وأصدر حكمًا منطقيًا بناءً على المعطيات المتاحة، رغم أنه لم يكن حاضرًا عند وقوع الفعل نفسه. هذا يجسد دور “الشاهد”، حيث يمكنه أن يشهد بناءً على أدلة وتحليل الواقع، دون الحاجة إلى الحضور الفعلي.
في المقابل، “الشهيد” هو من يكون حاضرًا في الحدث بشكل مباشر وواعٍ، ويشهد الحدث بسمعه وبصره وواعي تفاصيله، مما يجعل شهادته قائمة على حضور كامل ومباشر.
إجمالًا، يوضح النص القرآني حدود الإنسان في الشهادة المباشرة، ولكنه يترك الباب مفتوحًا أمام التعلم والاستنباط، وهو ما نراه في تقدم العلوم التي تسعى لفهم بداية الخلق من خلال الأدلة والدراسات، دون الحاجة إلى الشهادة المباشرة
الإنسان يمكنه أن يشهد على بدايات الخلق بمعنى “الشاهد” من خلال التأمل في الكون والبحث العلمي الذي يمكنه من الوصول إلى فهم كيف بدأت الحياة وتطورت. الأدلة العلمية والمعطيات البيئية تساعد الإنسان على بناء تصورات حول بداية الكون والخلق دون أن يكون حاضرًا عند حدوثه. هذا يوضح أن نفي الشهادة في النص القرآني مرتبط بنفي “الحضور الواعي” أو “شهادة شهيد”، وليس نفي القدرة على الوصول إلى الحقائق بالاستدلال والشهادة العقلية والتحليلية.
.
.