العام شمسي والأشهر قمرية
يشير القرآن الكريم في قوله تعالى}: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ{ (.التوبة: 36) إلى تقسيم الزمن وفقًا لنظام ثابت وفلكي، حيث تحدد هذه الآية أن العام عند الله يتألف من اثني عشر شهرًا، منها أربعة أشهر حرم. ومن هذا النص يُستنبط أن نظام الشهور هو جزء من نظام كوني ثابت، يعتمد على حركة الفلك وليس اصطلاحًا بشريًا قابلًا للتغيير. سنناقش في هذا المقال العلاقة بين الأشهر الحرم، النظام الفلكي، والأثر الاجتماعي والبيئي لهذه الأشهر، مع التركيز على دورها كفصل زمني متصل.
الأساس الفلكي للأشهر: بين القمر والشمس
الآية الكريمة تؤكد أن العام يتألف من اثني عشر شهرًا، وهو ما يتماشى مع السنة القمرية التي يعتمدها المسلمون في تحديد الأشهر، كما يظهر في قوله تعالى}:هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَاب{ ( يونس: 5). هنا نجد أن القرآن يربط حركة الشمس والقمر بتحديد الزمن والحساب. وفي حين أن حركة القمر تُستخدم لتحديد الأشهر، فإن حركة الأرض حول الشمس تُستخدم لتحديد العام.
من هذا المنطلق، يمكن القول إن النظام الذي يتحدث عنه القرآن هو نظام شمسي للأعوام، وقمري للأشهر. وهذا يعني أن الشهور الحرم الأربعة هي جزء من نظام زمني فلكي متصل، وليست مجرد فترات اعتباطية تم تحديدها لأغراض دينية فقط. هذه الشهور الحرم يجب أن تُعتبر وحدة زمنية متصلة لها وظائف فلكية واجتماعية وبيئية.
الأشهر الحرم كفصل زمني متصل
تظهر فكرة أن الأشهر الحرم تمثل وحدة زمنية متصلة في النقاشات القرآنية واللسانية، حيث ترتبط بمنع القتال والظلم في هذه الأشهر. هذا النص يشير إلى أن هذه الأشهر الأربعة تشكل فصلًا زمنيًا ينبغي فيه الامتناع عن القتال والعمل على تحقيق الصلح بين الأطراف المتنازعة، بما يتيح الفرصة للطبيعة بأن تستعيد توازنها.
إذا قمنا بربط ذلك مع فكرة الفصول، يمكن استنتاج أن الأشهر الحرم تمثل فصلًا واحدًا يختلف عن بقية أشهر السنة. هذه الأشهر تتزامن مع فترة من الزمن يتوجب فيها السلم والهدوء على جميع الأصعدة، ما يدفعنا للتفكير في ارتباط هذه الأشهر بعملية ترميم الطبيعة والتكاثر الحيوي.
وفقًا لهذه الرؤية، يمكن أن نرى أن الأشهر الحرم هي فصل الربيع، حيث يحدث فيها التكاثر للكائنات الحية وتجديد الحياة الطبيعية. في هذه الفترة الزمنية، يتوجب على البشر الامتناع عن أي تصرفات عنيفة ضد بعضهم البعض أو ضد البيئة، وذلك لإعطاء الطبيعة فرصة للترميم والتجدد.
النظام الفلكي: ثلاثة فصول فقط
استنادًا إلى هذه الرؤية، يمكن أن نقترح أن العام يتكون من ثلاثة فصول متساوية من حيث الزمن:
1. فصل الربيع (الأشهر الحرم) يمثل فترة التكاثر والنماء وترميم الطبيعة.
2. فصل الصيف: يمثل فترة النشاط الزراعي والتجاري والحركة العامة.
3. فصل الشتاء: يمثل فترة الراحة والخمول النسبي.
هذا النظام الثلاثي للعام، حيث يحتوي كل فصل على أربعة أشهر، يتماشى مع الفكرة الفلكية التي تعتمد على دوران الأرض حول الشمس وما ينتج عن ذلك من تغيرات في درجات الحرارة والأنشطة الحيوية.
التداخل بين التقويم الشمسي والقمري
بالنسبة للأشهر، يعتمد التقويم الإسلامي على الأشهر القمرية، وهذا يتوافق مع الآيات التي تشير إلى أن القمر هو وسيلة لحساب الزمن للأشهر. ومع ذلك، فإن الآية التي تتحدث عن عدة الشهور تشير إلى أن النظام العام هو نظام شمسي، حيث العام الفلكي يتحدد من خلال دوران الأرض حول الشمس، وفي داخل العام سنة قمرية بأشهرها ال 12
الأشهر الحرم كفترة للصلح والتجديد
الهدف الأساسي من تحريم القتال والظلم في الأشهر الحرم هو منح فرصة للسلام بين البشر وبين الإنسان والطبيعة. هذه الفترة تتيح للناس فرصة لمراجعة مواقفهم وتسوية النزاعات. من منظور بيئي، تمنح هذه الأشهر فرصة للنظام البيئي لإعادة التوازن، وتتيح للكائنات الحية التكاثر واستعادة قوتها بعد فترات من النشاط البشري.
لذلك حرم الصيد في هذه الأشهر على جميع الناس وليس على من أراد الحج كما سائد في الفقه الإسلامي.
القرآن يحث على ضرورة وقف العنف والظلم خلال هذه الفترة المحددة، مما يجعلها فترة مناسبة لتحقيق السلم وإعطاء الطبيعة فرصة للترميم الذاتي.
الخاتمة
استنادًا إلى ما سبق، يمكن القول إن الأشهر الحرم ليست مجرد أشهر دينية، بل هي وحدة زمنية متصلة تعكس نظامًا كونيًا ثابتًا يعتمد على حركة الفلك. تمثل هذه الأشهر فصلًا واحدًا من فصول السنة، وهو فصل يرتبط بالسلام والتجدد البيئي والتكاثر الحيوي. بالتالي، يمكن إعادة النظر في تقسيم الفصول إلى ثلاثة فصول فقط: الربيع (الأشهر الحرم)، الصيف، والشتاء، مما يتيح رؤية متكاملة للطبيعة ودورة الحياة.
هذا النظام الذي يعتمد على الشمس لتحديد الأعوام وعلى القمر لتحديد الأشهر، يعكس التوازن الدقيق بين الطبيعة والإنسان ويدعو إلى احترام هذا النظام الكوني في جميع مجالات الحياة