استحالة رؤية الله لا في الدنيا ولا في الآخرة
من القضايا الأساسية في العقيدة الإسلامية استحالة رؤية الله، سواء في الدنيا أو في الآخرة. هذه الاستحالة نابعة من مفهوم أزلية الله وأحديته وصمديته، حيث أن الله لا تدركه الأبصار وليس كمثله شيء، فلا يمكن للمخلوق الحادث، المحدود، أن يدرك الأزلي الصمدي. سنعالج في هذا المقال مسألة طلب النبي موسى لرؤية الرب، وفرقها عن طلب بني إسرائيل لرؤية الله جهرة، مستعرضين النصوص القرآنية ذات الصلة ومفهوم الرب في السياق القرآني.
مفهوم الأزلية، الأحدية، والصمدية
الأزلية تعني أن الله لا بداية له ولا نهاية، خارج نطاق الزمان والمكان. أما الأحدية فتعني تفرده المطلق بالوجود الذاتي، ليس له شبيه أو مثيل، ولا يمكن مقارنته بأي شيء. الصمدية تعني أن الله ثابت على ما هو عليه من كمال وجلال وقدرة واسماء، لا يحتاج إلى شيء وكل شيء محتاج إليه. انطلاقًا من هذه المفاهيم، يُفهم أن الحادث المحدود – أي المخلوقات بما فيها الأنبياء والملائكة – لا يمكنها إدراك الأزلي الصمدي لأن نطاق إدراكها محدود بالمكان والزمان. مهما قويت حواسها وقدراتها.
قال الله تعالى في القرآن:
“لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ” (الأنعام: 103).
هذه الآية توضح أن الله غير قابل للإدراك البصري أو الحسي بأي شكل من الأشكال، لأن إدراكنا محدود، وهو أزلي يتجاوز كل الحدود الممكنة.
طلب النبي موسى لرؤية الرب
في القرآن، ورد طلب النبي موسى لرؤية الرب وليس الله:
“وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي” (الأعراف: 143)
نلاحظ أن النبي موسى طلب رؤية “الرب” وليس “الله” بذاته، والرب هنا ليس الله بل هو رب موكل بإدارة الوحي وشؤون الأنبياء. رؤية الرب في هذا السياق ممكنة من حيث المبدأ، لكنها غير ممكنة بقدراتنا الحالية ككائنات محدودة. وهذا ما يفسر النص “لن تراني” مشيرًا إلى استحالة حدوث الرؤية في هذا السياق.
طلب بني إسرائيل لرؤية الله
في المقابل، بني إسرائيل طلبوا رؤية الله جهرة:
“وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً” (البقرة: 55).
كان طلبهم هذا استعلاءً وتكبرًا، لأنهم طلبوا شيئًا مستحيلاً يتجاوز حدود المخلوق. والله بطبيعته الأزلية والصمدية يستحيل رؤيته، وطلبهم لهذا الأمر كان نوعًا من العناد والتحدي لموسى، وليس طلبًا مشروعًا. ولهذا السبب، استحقوا اللعنة والعقوبة.
الفرق بين طلب موسى وطلب بني إسرائيل
الفرق الجوهري بين طلب موسى وطلب بني إسرائيل هو أن موسى طلب رؤية “الرب” الموكل بشؤون النبوة، وكان هذا الطلب نابعًا من حاجته إلى طمأنينة نفسية وفهم أعمق للرب الذي يكلمه ( وهذا غير كلام اهق للنبي موسى ). بينما كان طلب بني إسرائيل رؤية الله المباشرة، وهو أمر يستحيل تحقيقه، وبالتالي كان طلبهم متعجرفًا ومخالفًا لما يمكن للبشر تحقيقه أو فهمه.
الخلاصة
إن استحالة رؤية الله أمر مؤكد في المنطق و القرآن بناءً على مفاهيم الأزلية والأحدية والصمدية، حيث أن الحادث المحدود يستحيل أن يدرك الأزلي الصمدي. طلب النبي موسى لرؤية الرب ليس طلبًا لرؤية الله في ذاته، وإنما لرؤية الكيان الموكل بإدارة الوحي، بينما كان طلب بني إسرائيل لرؤية الله جهرة نوعًا من التحدي والعناد.