مفهوم كلام الله وكلمات الله ورسالة الله في القرآن
يتناول هذا المقال مفهوم كلام الله وكلمات الله ورسالة الله، مفرقًا بينها استنادًا إلى نصوص قرآنية واضحة، مع التركيز على الفرق بين هذه المفاهيم الثلاثة وطبيعة النص القرآني نفسه.
الله الحي القيوم:
الله سبحانه وتعالى هو حي قيوم، أحد صمد، أزلي ليس كمثله شيء، ولا تدركه الأبصار. بناءً على ذلك، الله لا يتكلم بالصوت أو الحرف كما يتكلم المخلوقات، وإنما يوحي بما يريد من معاني ودلالات إلى قلب المعني بالوحي باللسان الذي يستخدمه الكائن. هذه الحقيقة الأساسية تتماشى مع مفهوم الوحي كما ورد في القرآن الكريم.
وحي القرآن عبر جبريل:
الوحي القرآني نزل إلى الرسول محمد عبر جبريل عليه السلام. وقد ساهم جبريل في صياغة نصوص من القرآن بإذن الله وعلمه وأمره. هذا ما نفهمه من قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ{ (التكوير: 19-20). وبذلك فإن جبريل هو الذي صاغ نصوص القرآن بأمر من الله، ونقلها إلى النبي محمد بلسان عربي مبين.
كلام الله:
“كلام الله” في القرآن الكريم يشير إلى النصوص التي تتناول الوجود الموضوعي العلمي أو التاريخي، بما يشمل الأخبار والنبوءات والمعلومات التي ينقلها القرآن عن الواقع. في قوله تعالى: { قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ{ (الأعراف: 144)، نجد تمييزًا واضحًا بين الرسالات والكلام. كلام الله هنا يعبر عن المعلومات التي يختص بها الله، بينما الرسالات تتضمن التوجيهات والأحكام.
بذلك يمكن فهم كلام الله على أنه يشمل النصوص التي تتناول حقائق موضوعية تتعلق بالخلق والكون والتاريخ. فمثلًا في قصة موسى عليه السلام، نجد أن كلام الله ليس توجيهات دينية بل معلومات حول واقع موسى وقومه.
كلمات الله:
أما “كلمات الله” فهي تشير إلى الحقائق المطلقة التي تتعلق بالوجود نفسه، وهي لا تنفد ولا تنتهي. قال تعالى:{ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ{ (لقمان: 27). توضح هذه الآية أن كلمات الله لا تنفد لأنها تعبر عن إرادة الله المرتبطة بالوجود ذاته. كل ما هو موجود في الكون يعبر عن إرادة الله وكلماته، ويجسد الحقائق التي خلقها الله في الكون.
رسالة الله:
الرسالة الإلهية تشمل التوجيهات والأحكام التي ينزلها الله لتنظيم حياة البشر. وهذه التوجيهات تأتي ضمن “الرسالات” التي يرسلها الله إلى أنبيائه، كما جاء في قوله تعالى: { قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي{ (الأعراف: 144). الرسالات هي التوجيهات الواضحة التي ينزلها الله لتنظيم علاقة الإنسان بخالقه وبالمجتمع.
الجعل في القرآن:
من الأمور الهامة التي يجب تناولها هو فعل “الجعل” في قوله تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ{ (الزخرف: 3). هنا فعل “جعل” يشير إلى تغير في الصيرورة أو التحول، وليس مجرد خلق أو إنشاء. والمعنى أن مضمون القرآن كوجود موضوعي كان موجودًا مثل السماء والأرض والشمس والنجوم والكواكب، وما حصل هو أنه تم صياغة نص لساني عربي مبين ليحمل هذه المعلومات ويعبر عن هذا الوجود بصورة صوتية عربية واضحة. القرآن بهذا الفعل صار نصًا عربيًا مبينًا يعبر عن حقائق كونية وإرادات إلهية موجودة سابقاً.
القرآن كنص حادث:
النص القرآني هو نص حادث، أي أنه جاء في زمن محدد ليس أزليًا. الدليل على ذلك في قوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ{ (الأنبياء: 2). الآية تدل على أن القرآن حادث وليس مخلوقاً ولا أزلياً وإنما هو من عالم الأمر نزل في فترة معينة ويتعلق بأحداث أو يعبر عن أحداث ماضية ، ولا يصح استخدام كلمة الأزلي على غير الله نفسه.
تعدد المتكلمين في القرآن:
القرآن يتضمن تعددًا في المتكلمين، فهناك خطابات نقلها النص عن شخصيات تاريخية مثل فرعون وموسى، وحوارات بين الرب وملائكته، وكذلك بين الرب وأنبيائه. هذا التعدد يظهر بوضوح في نصوص القرآن التي تحكي عن أحداث تاريخية أو وقائع معينة، مما يدل على أن النص القرآني ينقل حوارات وقصصًا لم تكن كلامًا مباشرًا من الله في كل مواضعه.
دور جبريل في صياغة النصوص:
جبريل عليه السلام هو الذي نقل النص القرآني من الله إلى النبي محمد. في قوله تعالى: { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ{ (الشعراء: 193-195)، نجد أن جبريل عليه السلام هو الذي صاغ النص القرآني بلسان عربي مبين بأمر الله وعلمه وإذنه، ونقله إلى النبي. النبي محمد لم يكن له دور في صياغة النص القرآني، بل كان مجرد ناقل للوحي كما أمره الله.
القرآن مصدره الله وحده:
النص القرآني في كل محتوياته مصدره الله وحده، و لم يكن للنبي محمد أي تدخل في صياغة النص القرآني، وكل ما ورد فيه هو وحي من الله بلسان عربي مبين، نزل عبر جبريل عليه السلام. قال تعالى :{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{ (النجم: 4). وهذا يؤكد أن النص القرآني بكل تفاصيله هو من عند الله، وليس من قول البشر.
{إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ }{سَأُصْلِيهِ سَقَرَ }المدثر25-26
الخاتمة:
من خلال التحليل القرآني، يمكننا التمييز بوضوح بين كلام الله وكلمات الله ورسالة الله. كلام الله يشير إلى المعلومات والأخبار والنبوءات المتعلقة بالواقع والتاريخ، بينما كلمات الله تشير إلى الحقائق التي تتعلق بالوجود ذاته. أما رسالة الله، فهي توجيهاته للبشر التي نزلت في شكل نصوص قرآنية عبر جبريل إلى النبي محمد، والقرءان ليس مخلوقاً ولا أزلياً وإنما حادث ونزل من عالم الأمر.