تحليل نفسي لمن يكفّر علماء المسلمين بسبب اختلافهم مع عقيدته
من الظواهر التي باتت تتكرر في الفترات الأخيرة هي التكفير المتسرع لعلماء مسلمين مثل النووي، وابن حجر، والسيوطي بحجة أنهم ينتمون لمذهب الأشاعرة وينفون الجهة لله. هذا التكفير يعتمد على سوء الفهم والجمود على آراء سطحية حول مسائل عقائدية عميقة تحتاج لتأمل وتدبر. في هذا المقال، سنقوم بتحليل نفسي لهذه الظاهرة، محاولةً فهم الأسباب النفسية التي قد تدفع البعض لتبني هذه المواقف المتشددة، بالإضافة إلى تسليط الضوء على هروب هذا الشخص من الواقع المعاصر ومحاولاته اليائسة للعيش في الماضي.
الموقف العقائدي السطحي
الذين يكفرون العلماء مثل النووي وابن حجر يعتمدون على تفسير حرفي ضيق للآية “أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ”، ويستنتجون منها محدودية الله في السماء بمفهوم حرفي، متجاهلين التأويل الذي قد يقدمه علماء آخرون، مثل أن المقصود هو العلو المعنوي أو الإشارة إلى قدرة الله فوق الزمان والمكان. هذه الرؤية السطحية قد تكون ناتجة عن نقص في الفهم العميق للنصوص الدينية والتقاليد الفقهية المتنوعة، الأمر الذي يؤدي إلى قصر النظر والتشبث بالمعاني المباشرة دون السماح بالتأويل أو التفسير العقلاني.
التحليل النفسي: الخوف من الغموض والحاجة إلى اليقين
من منظور نفسي، يمكن تفسير هذا التمسك الشديد بالتفسير الحرفي بأنه ناتج عن الخوف من الغموض والحاجة إلى يقينٍ ثابت في العقائد. عندما يكون لدى الشخص قلق وجودي أو خوف من عدم وضوح الأمور، فإنه يميل إلى التشبث بما يبدو له مؤكداً وواضحاً حتى لو كان سطحيًا. في السياق العقائدي، يفضل هؤلاء الأشخاص تفسيرًا مباشرًا لله في السماء لأن ذلك يمنحهم إطارًا ملموسًا ومحدودًا يسهل فهمه وتحديده.
هذه الحالة تُعرف في علم النفس باسم النزعة إلى التفكير الأسود والأبيض (Black-and-White Thinking)، حيث يصنف الشخص كل شيء على أنه إما صحيح تمامًا أو خطأ تمامًا، دون استيعاب فكرة وجود مناطق رمادية أو احتمالات متنوعة. بالنسبة لمن يتبنى هذه العقلية، يكون الخروج عن التفسير الحرفي تهديدًا لمعتقداتهم الأساسية، مما يدفعهم إلى ردة فعل دفاعية تتضمن التكفير.
الهروب من الحاضر والعيش في الماضي
من أبرز سمات هذا الشخص الذي يلجأ إلى تكفير العلماء، هو أنه لا يعيش حاضره ولا يتفاعل مع مشاكل زمنه المعاصر. في عالم مليء بالتحديات مثل الصراعات السياسية، الاقتصادية، والأزمات الإنسانية، يهرب هذا الفرد إلى الماضي محاولًا محاكمة الأموات والتمسك بخلافات تاريخية عقائدية قديمة. هذا الهروب يعكس فشله في مواجهة الواقع وعدم قدرته على الفعل أو التأثير في مجتمعه الحالي. فهو كائن ماضوي يعيش في إطار تاريخي لا يتصل بمشكلات الحاضر ولا يقدم أي حلول أو إسهامات فعلية لتحسين أوضاع المجتمعات المعاصرة.
إن استغراق هذا الشخص في محاكمة العلماء القدامى يشير إلى عجزه عن التعامل مع الحاضر، مما يجعله غير فاعل وغير قادر على إحداث تغيير إيجابي في المجتمع. هو مشغول بمحاكمة الأموات والتشبث بخلافات قديمة لا تلامس احتياجات العصر، بينما يتجاهل الكوارث والويلات التي يعاني منها الناس اليوم.
مشكلة إسقاط الأحكام الذاتية
يميل هؤلاء الأفراد إلى إسقاط معتقداتهم الشخصية على الآخرين، ويرون أن كل من يخالفهم الرأي هو على خطأ ويستحق التكفير. هذه الآلية النفسية تُعرف باسم الإسقاط (Projection)، حيث يُسقط الشخص مخاوفه وصراعاته الداخلية على الآخرين. ففي الحقيقة، قد يكون هذا الشخص يعيش نوعًا من الصراع الداخلي بين ما يؤمن به وما قد يشك فيه، ولذلك يقوم بتكفير الآخرين كوسيلة لحماية ذاته من التشكيك في عقائده.
دور البيئة الاجتماعية والهوية الجماعية
غالبًا ما ينشأ هؤلاء الأشخاص في بيئات اجتماعية متشددة تعزز فكرة الانتماء لجماعة محددة وترسخ فيهم فكرة أن أي خلاف في المعتقد يشكل تهديدًا على هويتهم. هذه البيئة تشجع على التعصب وتقلل من فرصة التفكير النقدي أو الحوار مع الآراء المختلفة. بالتالي، يتبنى الشخص فكرة أنه يجب عليه الدفاع عن عقيدته بكل الوسائل المتاحة، حتى لو كان ذلك عبر تكفير الآخرين الذين يخالفونه.
الحلول الممكنة
1. تعزيز التعليم الديني القائم على العقلانية: ينبغي أن يتم التركيز على تعليم متوازن ومبني على الفهم العميق للنصوص الدينية، مع تشجيع التفكير النقدي والحوار المفتوح.
2. التدريب على قبول الاختلاف: يمكن أن يساعد التعليم النفسي في تنمية مهارات قبول الآخر وفهم أن العقيدة ليست دائمًا مسألة صح أو خطأ، بل هي أحيانًا مجال للتأويل والاجتهاد.
3. معالجة القلق الديني الداخلي: من خلال الاستشارة النفسية والتدريب على التأمل الذاتي، يمكن معالجة القلق الوجودي الذي يدفع الأشخاص إلى التشبث بالتفسيرات السطحية.
4. التحفيز على الانخراط في الحاضر: ينبغي تشجيع هذا الشخص على التركيز على التحديات والقضايا التي يواجهها العالم اليوم، والمشاركة الفاعلة في إيجاد حلول عملية بدلاً من استهلاك طاقته في محاكمة الماضي والتمسك بخلافات قديمة.
خاتمة
التكفير المتسرع لعلماء مثل النووي وابن حجر هو نتيجة لتداخل عدة عوامل نفسية، اجتماعية وفكرية. الفهم السطحي للنصوص والتشبث بالحرفية دون النظر في العمق الفكري يُظهر حاجة نفسية للثبات واليقين في وسط عالم متغير ومعقد. إضافةً إلى ذلك، الهروب من الحاضر إلى الماضي ومحاكمة الأموات يعكس فشلًا في التعامل مع الحاضر وعدم القدرة على التأثير الإيجابي. علاج هذه الظاهرة يبدأ بالتعليم الديني المتوازن وتعزيز الحوار، مما يفتح آفاقًا جديدة لتقبل الآخر وفهم التعقيدات الفكرية والعقائدية، مع تحفيز الأفراد على التركيز على الحاضر ومشاكله بدلاً من العيش في الماضي
اضف تعليقا