هل كتب التفسير وحي نزل مع القرءان وملزمة للمسلمين
مقولة وجوب الأخذ بكتب التفسير وأقوال المفسرين والسلف لدراسة القرآن تحتاج إلى تحليل نقدي يتناول عدة جوانب: أصل هذه الكتب وأقوال السلف، علاقتها بالقرآن، وحجيتها كأداة لفهم النص القرآني. سنناقش في هذا المقال تلك الجوانب لتوضيح إذا ما كان الأخذ بتلك المصادر واجبًا أو لا، وهل نزلت مع القرآن أم أنها منتج بشري غير ملزم.
أولاً: القرآن نص مكتفٍ بذاته
القرآن الكريم نزل بمفاهيم واضحة وبلسان عربي مبين خطاب للناس كلهم،{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }الأعراف158، وهو كتاب يدعو إلى التفكر والتدبر في آياته. في عدة آيات، يوضح الله تعالى أن القرآن نزل بلسان عربي مبين، ومنها قوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (الشعراء 193-195). ويؤكد النص القرآني على قدرة الإنسان على فهمه دون الحاجة إلى وسطاء أو تفسيرات خارجية بالضرورة.
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }محمد24
ثانياً: التفسير منتج بشري غير ملزم
كتب التفسير ليست نصوصًا إلهية نزلت مع القرآن، وإنما هي نتاج فكري بشري لعلماء ومفسرين عاشوا في عصور تاريخية مختلفة. كتب التفسير تُعبّر عن فهمهم الخاص للقرآن في ظل ظروفهم الزمنية والمجتمعية، وليست ملزمة أو نهائية. فالقرآن لم يوجب على المؤمنين اتّباع تفاسير معينة، وإنما جاء بعبارات صريحة تدعو الناس إلى استخدام عقولهم وتدبر النص بأنفسهم. قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} (النساء 82) يشير بوضوح إلى ضرورة التدبر الشخصي للنص القرآني. وفق منهجه ومفاتيحيه الموجود في داخله ووفق اللسان العربي المبين الذي نزل به.
ثالثاً: حجية أقوال السلف والمفسرين
أقوال السلف والمفسرين هي آراء اجتهادية تستند إلى الظروف الثقافية والمعرفية لزمانهم، ولا يمكن اعتبارها حجّة قاطعة أو مرجعًا لا يقبل النقاش. الله تعالى يقول في القرآن: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة 111)، ما يشير إلى ضرورة تقديم دليل وبرهان على أي قول أو تفسير. إن الأخذ بآراء السلف دون تفكير نقدي يناقض مبدأ البرهان والتفكير الحر الذي يدعو إليه القرآن.
رابعاً: التفاعل المجتمعي مع القرآن
المجتمعات المختلفة لها حق التفاعل المباشر مع القرآن ودراسته بما يتناسب مع لسانها وظروفها الاجتماعية والثقافية. لا يوجد ما يلزم هذه المجتمعات بالالتزام بتفسيرات أو أفكار قديمة لا تنسجم مع واقعها. فالقرآن كتاب لكل الأزمنة والأماكن، وهو نصٌّ حيّ قادر على مواكبة التغيرات المجتمعية والزمانية. لذلك، يجب على كل مجتمع أن يقوم بتفسيره وفهمه بما يتلاءم مع ظروفه دون الحاجة إلى التقيد بكتب التفسير التقليدية أو أقوال السلف.
خامساً: اختلاف التفاسير ودلالته
إذا كانت كتب التفسير ملزمة، فلماذا توجد اختلافات جوهرية بين المفسرين أنفسهم؟ هذا الاختلاف يؤكد أن التفسير هو جهد بشري متعدد الرؤى، وأنه لا يوجد تفسير واحد صحيح يلزم الجميع. هذا التنوع في التفاسير يعكس النسبية في الفهم البشري، ويشير إلى عدم وجود إلزام بتفسير واحد أو قول مفسر معين.
خلاصة:
كتب التفسير وأقوال السلف ليست نصوصًا مقدسة ولا ملزمة، وهي عبارة عن منتج بشري نتج عن اجتهادات وأفكار تتناسب مع عصر معين. لا يوجد ما يوجب على المسلمين اتباعها، إذ يمكن لكل مجتمع أن يتفاعل مع القرآن بشكل مباشر ويدرسه بما يتناسب مع واقعه ولسانه وظروفه، حتى لو خالف ذلك ما جاء في كتب التفسير التقليدية.