مفهوم “نفخنا فيه” و”نفخنا فيها”
يعد فعل “النفخ” في القرآن الكريم من المفاهيم المهمة التي تظهر في سياق قصة ولادة النبي عيسى عليه السلام، ويأتي استخدام هذا الفعل ليعبر عن عملية روحية متعلقة بالنفخ من الروح. يتم توضيح هذه الفكرة من خلال نصين قرآنيين رئيسيين: الأول يتعلق بمريم عليها السلام، والثاني بعيسى عليه السلام. من الضروري فهم ضمير الجمع “نا” في “نفخنا” على أنه لا يعود على الله مباشرة بل على من وكلهم الله في هذه العملية. في هذا المقال، سنحلل هذه النصوص وفقًا للسياق القرآني واللساني، مع التركيز على دلالة “الروح” و”النفخ”، وأيضًا معنى كلمة “الفرج” في النص القرآني.
النصوص القرآنية:
1. سورة الأنبياء (91):
{وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ}.
• سورة التحريم (12):
{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}.
دلالة ضمير الجمع “نا”:
يعود ضمير “نا” في “نفخنا” إلى من وكلهم الله لتنفيذ عملية النفخ، ولا يتعلق بالله مباشرة. هذا الضمير يشير إلى أن عملية النفخ تمت بواسطة الكيانات التي أمرها الله بذلك، مثل الملائكة، وليس ضمير الجمع للتعظيم أو التفخيم.
عودة ضمير الغائب
وجود مقولة شائعة وهي يعود الضمير لأقرب مذكور قبله دفع المفسرين إلى إرجاع ضمير (فيه) إلى كلمة الفرج وحصل اللبس واستغل ذلك اللادينيون وسخروا من النص وطعنوا به، والصواب أن هذه المقولة ليست قاعدة في اللسان العربي؛ بل هي مقولة شائعة، بينما الصواب هو أن الضمير يعود على ما يناسبه من الكلام بصرف النظر عن قربه وبعده أو خروجه عن النص كله إلى الواقع محل الكلام.
شرح النصوص:
• “فنفخنا فيها من روحنا” في سورة الأنبياء (91):
في هذا النص، يشير “فِيها” إلى السيدة مريم عليها السلام. النفخ هنا هو فعل مستور ينفتح بضم باتجاه شيء يحل به ، كنفخ الهواء بالكرة ، ويتعلق النفخ بإعداد نفس مريم لتحمل النبي عيسى عليه السلام. “من روحنا” تدل على أن النفخ تم باستخدام الروح الذي يعني أمر الرب المتعلق بسننه وعلمه ، وحرف “من” هنا للتبعيض والبيان، مما يعني أن جزءًا من الروح تم استخدامه في هذه العملية. ولا يعني هذا النفخ أن الروح ذاته تم نفخه، بل هو وسيلة استخدمت في عملية الإحياء والتحضير لحمل المسيح. والضمير “نا” لا يشير إلى الله وحده، بل إلى من وكلهم الله في مباشرة هذه العملية من الملائكة أو غيرهم.
• “فنفخنا فيه من روحنا” في سورة التحريم (12):
وفي هذا النص وفق منظومة خلق المسيح وحمله يشير “فِيهِ” إلى عيسى عليه السلام. والنفخ فيه من الروح كان جزءًا من عملية خلقه ومنحه أمورا روحية، مما يجعله النبي الوحيد الذي ولد نبيًا. والضمير “نا” لا يشير إلى الله وحده، بل إلى من وكلهم الله في مباشرة هذه العملية من الملائكة أو غيرهم.
كلمة “الفرج” في النصوص القرآنية:
كلمة “الفرج” في اللسان العربي هي كلمة عامة تطلق على أي فتحة أو شق. مثل النص القرآني {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} (ق:6)، {وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ }المرسلات9، تشير كلمة “فروج” إلى الشقوق أو الفتحات في السماء. وهذا يوضح أن استخدام هذه الكلمة ليس فيه أي عيب أو خروج عن الأخلاق. وفي النص المتعلق بالإنسان: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} (المؤمنون: 5)، يُقصد بها رعاية وحفظ هذه الأعضاء من الناحية الأخلاقية والمادية، وهو تعبير عن الطهارة والنقاء.
الخاتمة:
توضح النصوص القرآنية المتعلقة بالنفخ في مريم وعيسى عليهما السلام أن العملية ليست مادية أو جسدية، بل هي روحية تتعلق بالنفخ من الروح في إطار قصة ولادة عيسى. والنفخ في مريم كان لتحضيرها نفسياً وجسمياً لحمل المسيح، بينما النفخ في عيسى كان لإعطائه معلومات وبرمجته من الروح، وبعث الحياة فيه ليكون نبيًا منذ ولادته.