تحريم نكاح عمة الزوجة وخالتها
يبدأ الأساس في فهم تحريم نكاح عمة الزوجة أو خالتها من النص القرآني الذي جاء واضحًا في تحريم بعض الأنكحة. قال الله تعالى:
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} (النساء: 23).
في هذه الآية، نجد أن الله سبحانه وتعالى قد وضع تحريمًا صريحًا لعدد من العلاقات التي تتعلق بالنسب والرضاعة. ومن أبرز هذه العلاقات “أمهات نسائكم”، والتي تشمل أمهات الزوجات بمجرد الدخول بهن. وعند تفحص دلالات اللسان العربي نجد أن كلمة “الأم” ليست مقصورة فقط على الأم المباشرة، بل تشمل الأصول الأخرى مثل الجدة، التي تُعد أمًا عليا، وهو ما نراه من دلالة النص ذاته في تحريم نكاح الجدة وإن لم يُذكر ذلك مباشرة.
الاستنباط من النص:
النص القرآني لم يذكر بشكل مباشر تحريم نكاح الجدة من طرف الأب أو الأم، لكن من خلال الفهم القرآني والمنطقي، يُعد تحريم الجدة تحصيل حاصل لأنها أم عليا، ومثلها في ذلك خالة الزوجة وعمتها. فهنَّ يعتبرن في مقام الأم، ولهذا فإن تحريم نكاح خالة الزوجة وعمتها يأتي من فهم استنباطي تحريم “أمهات نسائكم”. كما أن هذا الفهم يستند إلى أن الخالة والعمة يشتركان مع الأم في نفس الرحم والنسب، وبالتالي يكون لهن نفس الحكم. وهذا التحريم ليس مؤقتًا كما هو الحال في الجمع بين الأختين، بل هو تحريم أبدي كما هو الحال في تحريم أم الزوجة.
رد على من يدعي أن التحريم غير موجود في النص:
يوجد من يقول إن تحريم نكاح خالة الزوجة أو عمتها هو تشريع زائد على النص القرآني، وبالتالي فلا يُعتبر حرامًا لأنه لم يُذكر نصًا. لكن هذا القول مردود عليه لأن الأصل في الفهم القرآني هو أن النصوص جاءت لتوجيه الفهم والاستنباط، وليس بالضرورة ذكر كل حالة عيناً. فقد ورد في القرآن تحريم “أمهات نسائكم”، وإذا كنا نُحرِّم نكاح الجدة لأنها أم عليا، فمن باب أولى أن يُحرَّم نكاح خالة الزوجة أو عمتها لأنهن في نفس المقام من القرابة.
هذا الفهم يستند إلى مبدأ قرآني عام وهو أن النصوص تتناول القواعد الكبرى، وأن الاستنباط المنطقي من هذه القواعد هو جزء من الفهم الصحيح. فكما حُرِّم نكاح أمهات الرضاعة من باب أولى حُرِّم نكاح الخالة والعمة، لأنه كما أن “الأم” تشمل كل ما يدخل في علاقتها بالزوجة، فإن الخالة والعمة لهما نفس العلاقة.
الاستنتاج:
بناءً على ما تقدم من تحليل قرآني ولساني ومنطقي، فإن نكاح خالة الزوجة أو عمتها هو تحريم أبدي مثل تحريم نكاح أمها. فلا يجوز أن يتم التفريق بينهن في الحكم، لأنهن جميعًا يشتركن في نفس الرحم والأصل.