الأخلاق فطرة إنسانية وظاهرة اجتماعية
الإنسان كائن أخلاقي منذ بداية وعيه؛ فالأخلاق ليست مجرد مجموعة من القوانين والضوابط التي يفرضها المجتمع، بل هي جزء لا يتجزأ من تكوين الإنسان نفسه. منذ اللحظة التي بدأ فيها الإنسان يدرك ذاته والعالم من حوله، بدأت الأخلاق بالتشكل كجزء من هذا الوعي. فهي ليست مجرد تصرفات فردية وإنما ظاهرة إنسانية اجتماعية، نشأت مع التفاعل الإنساني والتواصل بين الأفراد. الإنسان، بصفته كائناً اجتماعياً، كان دائماً بحاجة إلى أخلاق تضبط سلوكه داخل المجتمع وتحقق التوازن في العلاقات الاجتماعية.
الأخلاق إذن ليست مسألة فردية، بل هي منظومة مترابطة تنشأ وتترسخ في المجتمع. في هذا السياق، نفهم أن الإسلام جاء لترسيخ هذه الأخلاق وتوجيهها، وليس لإنشاء نظام فرداني ينفصل فيه الإنسان عن مجتمعه تحت مسمى “الرهبانية”. الإسلام رفض فكرة الرهبانية واعتبر أن العزلة عن المجتمع والتخلي عن المسؤوليات الأخلاقية والاجتماعية ليس طريقاً إلى التدين أو الإيمان الصحيح. بل على العكس، فإن الدين في الإسلام يقوم على تفعيل الأخلاق وتوسيعها لتشمل جميع جوانب الحياة، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
الدين في جوهره جاء لترسيخ الأخلاق وإعطائها بُعدًا إيمانيًا؛ بمعنى أن الأخلاق ليست مجرد قيم إنسانية عامة، ولكنها تحمل في طياتها دعوة للتواصل مع الله وتفعيل الضمير. الدين يساعد الإنسان على إدراك أن تصرفاته الأخلاقية ليست فقط نابعة من خوف المجتمع أو التقاليد، بل تنبع أيضًا من إيمانه بوجود قوة أعلى تُقيّم أفعاله وتُفعّل ضميره ليكون أخلاقياً في السر كما هو في العلن.
إن تفعيل الضمير هنا يعني أن الأخلاق ليست مجرد قواعد خارجية يُتوقع من الإنسان اتباعها، بل هي حالة داخلية تحكم سلوك الإنسان وتجعله يمارس الأخلاق حتى في غياب الرقيب الاجتماعي. لذلك فإن الأخلاق في الإسلام ليست ثمرة التدين فقط، بل هي الهدف الأساسي منه. الإسلام دين جاء ليكون في خدمة الأخلاق، فالإيمان بدون أخلاق يفرغ الدين من معناه الحقيقي.
في النهاية، يمكن القول إن الإنسان كائن أخلاقي منذ بدء وعيه، وأن الدين الإسلامي جاء ليؤكد على هذا الجانب الأخلاقي في حياة الإنسان وليمنحه بُعدًا أعمق، مرتبطًا بالإيمان وتفعيل الضمير الداخلي. الأخلاق ليست ظاهرة فردية منعزلة، بل هي ظاهرة اجتماعية تزداد قوة وتأثيرًا كلما ازدادت الترابطات الاجتماعية والدينية عمقًا ووضوحًا.