نقد دراسة محمد المسيح حول مخطوطات صنعاء للمصحف
مخطوطات صنعاء تعد واحدة من أهم المكتشفات الأثرية المتعلقة بالنص القرآني. اكتُشفت هذه المخطوطات في الجامع الكبير بصنعاء في عام 1972، وقد أصبحت موضع اهتمام الباحثين، خاصة في الأوساط الاستشراقية. ومن بين هؤلاء الباحثين، يبرز اسم محمد المسيح الذي أجرى دراسة تحليلية على بعض من هذه المخطوطات. غير أن هذه الدراسة تعرضت لانتقادات واسعة لكونها تحمل أجندة استشراقية تهدف إلى التشكيك في توثيق النص القرآني.
عرض دراسة “محمد المسيح”
تركزت دراسة “محمد المسيح” على تحليل النصوص القرآنية الموجودة في مخطوطات صنعاء، حيث أشار إلى اختلافات في بعض الحروف والكلمات بين النص المكتوب في هذه المخطوطات والنص المتداول اليوم. واعتبر أن هذه الاختلافات تشير إلى “تحريف” أو “تغيير” في النص القرآني عبر الزمن. بناءً على ذلك، استنتج “المسيح” أن النص القرآني لم يكن محصنًا من التغيير، وأن هناك ضرورة لإعادة النظر في توثيق القرآن وتاريخه.
نقد الدراسة من منظور أكاديمي
1. المنهجية المغلوطة في دراسة المخطوطات
استخدم “محمد المسيح” منهجية استشراقية تفتقر إلى الأسس العلمية المتينة. يعتمد النص القرآني على تتابع التلاوة الصوتية المتوارثة عبر الأجيال، وليس فقط على المخطوطات المكتوبة. النص القرآني لم يُحفظ في المقام الأول عن طريق الكتابة، بل عن طريق التلاوة الشفوية التي نُقلت عبر الأجيال بدقة كبيرة. لذلك، أي مخطوطة قرآنية قديمة تُفحص ينبغي أن تُفهم في سياق التتابع المتوارث للتلاوة، وليست كوثيقة نهائية .
2. إهمال التلاوة الشفوية
النقطة الرئيسية التي أغفلها “المسيح” في دراسته هي التتابع الصوتي المتوارث للنص القرآني. التلاوة في الأمة الإسلامية هي المرجع الأساس، وهي التي تضبط النص حتى في حالة وجود اختلافات طفيفة بين المخطوطات. حتى لو وُجدت بعض الاختلافات الكتابية بين المخطوطات القديمة، فإنها تُصحح استنادًا إلى التلاوات المتتابعة. وهذه التلاوات تُمثل العمود الفقري للنقل القرآني، مما يجعل أي اختلاف كتابي في المخطوطات غير ذا قيمة كبيرة مقارنة بالتلاوة الصوتية الدقيقة والمستقرة.
3. التحليل المنطقي لنقل القرآن
إذا نظرنا من زاوية المنطق العلمي، سنجد أن القرآن قد نُقل عبر جيل كامل من الصحابة ثم من خلال تلاميذهم، مع التوافر الدائم للتصحيح الصوتي عبر التلاوة المتتابعة. لا يمكن لأي باحث منطقي أن يتجاهل هذا السياق التاريخي في دراسة أي مخطوط قرآني. ومعرفة أن المصاحف الأولية لم تكن تحتوي على النقط والتشكيل كما في المصاحف الحديثة يجعل الأمر أكثر وضوحًا. وبالتالي، أي اختلافات في الكتابة قد تكون نتيجة للتغير في النقط أو الإملاء عبر الزمن وليس نتيجة لتحريف أو تغيير في النص.
4. التحليل العلمي والموثوقية
من المعروف أن المخطوطات القرآنية القديمة كانت تُكتب بأيدي البشر، وبالتالي فإن وجود بعض الاختلافات الطفيفة في الكتابة هو أمر طبيعي ولا يمثل تحريفًا متعمدًا. فشل “محمد المسيح” في التعامل مع هذا الجانب بموضوعية وواقعية، وقدّم تفسيرًا متحيزًا يهدف إلى الطعن في النص القرآني. تجاهلُه للتتابع الشفوي المتواصل في نقل القرآن يعد نقصًا جوهريًا في منهجه البحثي.
دراسة “محمد المسيح” بين التحيز والأهداف السياسية
لا يمكن فصل دراسة “محمد المسيح” عن السياق السياسي والاجتماعي الذي صدرت فيه. فقد ركزت العديد من الدراسات الاستشراقية على محاولة التشكيك في النصوص الإسلامية بهدف خلق نوع من الاضطراب الفكري حول موثوقية التراث الإسلامي. دراسة “محمد المسيح” ليست استثناءً؛ فقد بُنيت على تحليلات مغرضة تسعى لتشويه صورة القرآن وتقديمه كنص غير موثوق.
يبدو أن هذه الدراسة قد صُممت لتحقيق أهداف معينة تخدم توجهات سياسية أو أيديولوجية، مستغلة بعض الاكتشافات الأثرية مثل مخطوطات صنعاء في محاولة زعزعة الإيمان بالقرآن. هذا النوع من الدراسات يفتقد إلى الموضوعية العلمية الحقيقية، حيث يعتمد على التركيز على جوانب جزئية وإهمال الصورة الكاملة التي تقدمها التلاوة الصوتية المتتابعة.
أهمية التلاوة الصوتية في توثيق النص القرآني
التوثيق القرآني يعتمد على نظام متكامل من التلاوة والتدوين. التلاوة الشفوية هي المصدر الأساسي والموثوق للنص القرآني، وهي التي كانت تُراجَع باستمرار عبر الأجيال. أي مخطوطة قد تكون مكتوبة بأخطاء بشرية أو تغيرات طفيفة لا يمكن أن تُعتمد كمرجع نهائي في توثيق النص القرآني. بدلاً من ذلك، يتم تصحيح المخطوطات القديمة استنادًا إلى التلاوة الصحيحة التي حُفظت بدقة عبر التتابع المتواصل بين الحفاظ في الأمة الإسلامية وخاصة أن القرءان نص متعبد به.
الخاتمة
دراسة “محمد المسيح” حول مخطوطات صنعاء تنطوي على تحيز استشراقي واضح، وتفتقر إلى الأسس المنهجية العلمية التي تأخذ بعين الاعتبار أهمية التلاوة الصوتية المتتابعة. إن محاولة استخدام اختلافات في المخطوطات لتشويه توثيق النص القرآني تُعد مغرضة ولا تستند إلى المنطق العلمي أو التاريخي. إن النص القرآني محفوظ عبر تلاوته المتتابعة، وأي مخطوطة مهما كانت قديمة يتم تصويبها وتصحيحها وفق تلك التلاوة الصوتية الموثوقة.
اضف تعليقا