تكليم الدابة للناس
يُعَدُّ النص القرآني {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} (النمل: 82) من الآيات التي تدعو للتدبر والتفكر العميق في مدلولاتها. يشير النص إلى خروج “دابة من الأرض” لتخاطب الناس بطريقة ما، محذرةً إياهم من عدم إيمانهم بآيات الله. في هذا المقال، سنقوم بتحليل لساني وقرآني لكلمتي “دابة” و”تكلمهم”، مع التركيز على مفهوم “التكليم” وما يحمله من دلالات تتجاوز الحديث الصوتي إلى التأثير الفعلي في الآخر، مما قد يشير إلى تفسير أن “الدابة” في هذا السياق قد تكون فيروسات أو جراثيم تحدث تأثيرًا جسديًا واضحًا على البشر.
تحليل كلمة “دابة” لغويًا وقرآنيًا
كلمة “دابة” مشتقة من الجذر “دبب” الذي يدل على الحركة البطيئة على الأرض. يقول ابن فارس في “مقاييس اللغة” إن “دبب” يدل على السير البطيء والهادئ. أما في “لسان العرب” لابن منظور، فقد ذُكِر أن “الدابة” تشمل كل ما يدب على الأرض، سواء أكان صغيرًا أو كبيرًا. في القرآن الكريم، تم استخدام كلمة “دابة” للإشارة إلى جميع الكائنات الحية التي تتحرك على الأرض، كما في قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} (هود: 6).
بالتالي، يمكن توسيع مفهوم “الدابة” ليشمل الكائنات الدقيقة مثل الفيروسات والجراثيم، التي وإن كانت غير مرئية للعين المجردة، إلا أنها تدب وتتحرك في محيطها، مما يجعلها مؤهلة لتكون ضمن مفهوم “الدابة” القرآني.
مفهوم التكليم ودلالة كلمة “تكلمهم”
الجذر “كلم” في اللسان العربي يشير إلى التأثير الفعلي في الآخر، وليس فقط النطق أو التلفظ. الكلم في اللسان العربي يعني الجرح، وسُمي الكلم بذلك لأنه يترك أثرًا في الجسم، كما ورد في المعاجم اللسانية. التكليم إذًا يتضمن إحداث تأثير أو علامة محسوسة على الآخر. في هذا السياق، قد يكون التكليم إشارة إلى تواصل يحدث عبر تأثير ملموس في الجسم وليس بالضرورة عبر الكلام اللفظي.
الآية تشير إلى أن الدابة “تكلمهم”، ومن هنا نفهم أن هذا التكليم قد لا يكون حديثًا لفظيًا فقط، بل تأثيرًا ماديًا ملموسًا يحدث للإنسان نتيجة تفاعل مباشر مع هذه “الدابة”. وهذا الفعل يمكن أن يتجسد من خلال تأثير الكائنات الدقيقة مثل الفيروسات والجراثيم التي تؤثر في أجساد البشر وتترك آثارًا مرضية تشبه الجروح، وهو ما يجعلنا نفكر في “التكليم” كإشارة إلى التأثير الجسدي الذي تحدثه تلك الكائنات.
الفرق بين الكلام والتكليم
الكلام هو الإبلاغ عن شيء ما عبر الصوت أو الألفاظ، بينما التكليم يتجاوز ذلك إلى إحداث أثر أو جرح. الفرق الجوهري هو أن “التكليم” يتضمن تأثيرًا في المتلقي، كما نراه في فعل الجرح الذي يترك أثرًا واضحًا. على سبيل المثال، الفيروسات والجراثيم لا “تتكلم” بالمعنى الصوتي، لكنها “تُكلِم” الإنسان بمعنى أنها تترك أثرًا في جسمه عبر الأمراض والأعراض الجسدية التي تسببها.
إحدى الأمثلة القرآنية التي توضح الفرق بين الكلام والتكليم هي قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} (القصص: 62)، فالنِّداء هو نوع من الكلام الصوتي الذي لا يتطلب تأثيرًا جسديًا. أما التكليم في هذه الآية (النمل: 82)، فهو يشير إلى تواصل له أثر جسدي ملموس، حيث أن “الدابة” التي تكلم الناس، تترك فيهم أثرًا واضحًا من خلال جروح أو أمراض تسببها، وهو ما يمكن أن يكون نتيجة تفاعل البشر مع كائنات دقيقة كالجراثيم أو الفيروسات.
التكليم وتأثير الفيروسات والجراثيم
إذا نظرنا إلى احتمالية أن “الدابة” المذكورة في النص القرآني قد تكون كائنات دقيقة مثل الفيروسات أو الجراثيم، فإننا نجد أنها تتناسب تمامًا مع مفهوم التكليم. هذه الكائنات الصغيرة تؤثر بشكل مباشر في جسم الإنسان، فتسبب أمراضًا خطيرة قد تكون قاتلة. ويُمكن اعتبار هذه الأمراض جزءًا من “التكليم”، حيث تترك أثرًا جليًا في أجسام البشر.
على سبيل المثال، الأمراض التي تسببها الفيروسات مثل فيروس كورونا (COVID-19) أو الإنفلونزا، تترك علامات واضحة في جسم الإنسان مثل الحمى، الالتهاب، والأعراض التنفسية. هذه العلامات هي بمثابة تكليم لأن الجسم يتضرر ويُصاب بأعراض جسدية ملموسة.
أمثلة أخرى على التكليم
بالإضافة إلى الفيروسات، يمكن أيضًا التفكير في الجراثيم والبكتيريا التي تسبب أمراضًا مثل السل أو الطاعون. هذه الأمراض تؤدي إلى ظهور أعراض جسدية واضحة مثل التقرحات والجروح، وهذه الأعراض تمثل تكليمًا مباشرًا من تلك الكائنات للبشر.
التكليم قد يكون أيضًا في أشكال أخرى، كما هو الحال في تأثير المواد السامة أو الإشعاعات التي تصيب الإنسان بجروح داخلية أو أمراض غير قابلة للعلاج. كل هذه الأمثلة تشير إلى أن التكليم لا يشير فقط إلى الكلام اللفظي، بل إلى تأثيرات حقيقية وجسدية قد تسببها “دابة من الأرض” كما جاء في النص القرآني.
خاتمة
النص القرآني {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} يشير إلى آية كونية ذات أثر ملموس على البشر. من خلال التحليل اللساني، يتبين أن “التكليم” قد يكون تأثيرًا جسديًا ناتجًا عن تفاعل مع كائنات دقيقة مثل الفيروسات أو الجراثيم، التي قد تكون “الدابة” المذكورة في النص. هذه الكائنات تترك أثرًا ملموسًا في البشر، كجرح أو إصابة، مما يجعلهم يعودون إلى التأمل في قدرة الله والإيمان وتغيير ما بأنفسهم والالتزام بالعمل الصالح.