نقد مقولة اتخذ الله ولداً أو ابناً
من المواضيع المثيرة للجدل في الفكر الإسلامي هو مفهوم نسبة الولد أو الابن إلى الله سبحانه وتعالى. في النصوص القرآنية، نجد استخدامات مختلفة لكلمتي “الولد” و”الابن” في سياق الحديث عن النفي القاطع لعقيدة التثليث أو التجسيم التي تدعي أن لله سبحانه وتعالى ذرية أو أبناء. هنا سنقوم بتحليل دلالتي “الولد” و”الابن” في القرآن، ونستشهد بالنصوص، ثم ننتقد المفهوم من منظور لساني ومنطقي.
مفهوم “اتخذ الله ولداً”
كلمة “الولد” ترتبط بمعنى مباشر يتعلق بالولادة الجسدية. وهي تشير إلى عملية بيولوجية تستدعي خروج مادي من الأصل يحمل صفاته لينتج ولداً. يستخدم القرآن هذه الكلمة للنفي المباشر لفكرة أن الله قد أنجب أو احتاج إلى ذرية بطريقة تشبه الخلق البشري. يقول الله في كتابه:
• {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} (البقرة: 116)
هنا يأتي الرد القرآني بنفي هذه الفكرة بعبارة “سُبْحَانَهُ”، والتي تعني التنزيه التام عن مشابهة الخلق. الله يتنزه عن الحاجة إلى الولد، فكل ما في السماوات والأرض هو قانت (خاضع) لله.
• {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} (مريم: 88-89)
الآية هنا تركز على بشاعة هذا الادعاء من خلال استخدام كلمة “إدًّا”، والتي تشير إلى أمر مستنكر ومفزع.
{لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }الزمر4
وتم استخدام كلمة (اتخذ) مع الولد وهي بالظاهر للوهلة الأولى تفيد أن الأصوب هو كلمة ( ابن) لأن الولد لا يتخذ وإنما يولد ولادة من والده أو الأصل ، والجواب هو أن النص أتى بحالة افتراضية وحرف( لو) حرف امتناع حصول ما بعده، ومن المعلوم أن الله أحد صمد ثابت بالبرهان، وبالتالي فهو لم يلد ولم يولد ، ولذلك أتى استخدام كلمة (اتخذ ولداً) لأنه يستحيل حصول فعل الولادة لله منه أو له وبالتالي فلا يكون الولد بالنسبة له في حال لو أراد إلا اتخاذًا ضرورة ، وهو أمر منفي بحق الله لأحديته وصمديته.
مفهوم “الابن” في النص القرآني
كلمة “الابن” لايشترط لها الولد ، فالولد ابن والعكس ليس شرطا فهو من التربية و التبني، وأتت في القرآن أيضاً للنفي المطلق لنسبة البنوة إلى الله، لكن دلالتها قد تحمل بُعداً أوسع من الدلالة البيولوجية. تُستخدم كلمة “ابن” في بعض السياقات للإشارة إلى علاقة رمزية أو روحية بين الأب والابن، ومن الآيات التي تذكر كلمة “ابن” في هذا السياق:
• {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} (التوبة: 30)
هنا تستخدم كلمة “ابن” للإشارة إلى المسيح وعزير، وتأتي الآية بنفي هذا الادعاء. الفكرة أن كلمة “ابن” قد تحمل في بعض الثقافات أو الديانات القديمة معنىً روحياً أو مجازياً، لكن القرآن ينفي هذا التصور بشكل مطلق.
النقد والتوضيح
إن استخدام القرآن لكلتا الكلمتين يأتي في سياق نقده لعقائد موجودة في الأديان السابقة. فالنصوص التي تستخدم كلمة “اتخذ الله ولداً” تركز على النفي المباشر للفكرة البيولوجية المرفوضة التي تساوي بين الله والخلق في حاجته إلى الإنجاب. بينما النصوص التي تستخدم “ابن” تشير إلى انتقاد المفهوم اللاهوتي الذي ينسب للبشر حالة إلهية أو صفة من صفات الله.
القرآن يرفض كل أشكال التشبيه بين الله والخلق، سواء كانت بالولادة أو البنوة. وكلمة “اتخذ” التي تسبق كل من “ولداً” و”ابناً” تعني محاولة نسبة هذه الصفات إلى الله، وهو أمر يستنكره القرآن بشدة.
الخاتمة
في النهاية، يرفض القرآن تماماً فكرة الولد أو الابن لله، سواء من المنظور البيولوجي أو المعنوي. الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء، ولا يحتاج إلى ذرية أو أبناء بأي شكل من الأشكال.
(الله أحد ، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد)