الأخلاق دينية أم إنسانية؟
الأخلاق هي مجموعة من المبادئ والقيم التي تحكم تصرفات الأفراد والجماعات في المجتمع. منذ بداية التاريخ البشري، شكّل الإنسان قواعده الأخلاقية بناءً على ظروفه الاجتماعية، الاقتصادية، والثقافية. هذه القواعد تمثل توازنًا بين ما يعتبره الأفراد والمجتمعات خيرًا وشرًا، حيث يظهر هذا التوازن نتيجة وجود الإنسان ككائن اجتماعي واعٍ يتمتع بالحرية والإرادة الثنائية، مما يجعله قادرًا على اتخاذ قرارات أخلاقية بين الخير والشر.
الإنسان ككائن اجتماعي وحرية الاختيار
طبيعة الإنسان الاجتماعية تتطلب من الأفراد أن يتفاعلوا مع بعضهم البعض. هذا التفاعل يستدعي وجود معايير سلوكية لتنظيم العلاقات الاجتماعية ومنع الفوضى. في قلب هذا النظام يكمن الوعي الإنساني والحرية الفردية التي تميز الإنسان عن المخلوقات الأخرى. بخلاف الملائكة، التي تُعد كائنات عاقلة حرة ولكن مبرمجة على الرشد والخير فقط، الإنسان لديه القدرة على اختيار الخير أو الشر بناءً على الظروف والموقف. هذه الثنائية في الاختيار هي ما يُشكل أساسًا للأخلاق الإنسانية، حيث يكون الفرد قادرًا على اتخاذ قرارات أخلاقية مبنية على احتمالات ومواقف متغيرة.
الملائكة تعيش ضمن نظام أحادي قائم على الرشد والخير والحسن، وبالتالي لا توجد ثنائية أخلاقية في عالمها. هذا النظام المختلف يعني أن الأخلاق الإنسانية تنبع من قدرة الإنسان على الموازنة بين الخيارات المتاحة له واتخاذ قرارات تستند إلى الوعي، والعاطفة، والتجربة الاجتماعية.
الأخلاق ليست دينية أو غير دينية: بل إنسانية اجتماعية
من هذا المنطلق، يمكن القول إن الأخلاق ليست بالضرورة دينية أو غير دينية، بل هي إنسانية بالدرجة الأولى. الأخلاق تنبع من طبيعة الإنسان الاجتماعية واحتياجه للتعايش مع الآخرين. القيم الأخلاقية الأساسية مثل الصدق، الأمانة، العدالة، والاحترام وُجدت في جميع المجتمعات الإنسانية حتى قبل ظهور الأديان. وهي ليست احتكارًا لفئة معينة أو دين معين.
الدين، بما في ذلك الإسلام، لم يخلق الأخلاق بل جاء لترسيخها ومنحها بُعدًا إيمانيًا. فالإسلام، على سبيل المثال، عزّز القيم الأخلاقية التي كانت موجودة في المجتمعات السابقة مثل الصدق والأمانة، ولكنه أضاف لها بعدًا إيمانيًا من خلال ربطها بالعلاقة بين الفرد وخالقه. الدين هنا يلعب دورًا في إيقاظ الضمير الإنساني وتوجيهه نحو التصرف وفق القيم الأخلاقية التي تضمن الاستقرار الاجتماعي وتحقيق العدالة.
الضمير والأخلاق الإيمانية
أحد أعظم تأثيرات الدين على الأخلاق هو دور الضمير. بينما تنشأ القواعد الأخلاقية من الطبيعة الاجتماعية للإنسان، يأتي الدين ليحفز الضمير الداخلي ويؤسس علاقة بين العمل الأخلاقي والتوجه الإيماني. بعبارة أخرى، يجعل الدين من الأفعال الأخلاقية ليست مجرد التزامات اجتماعية بل واجبات إيمانية مرتبطة بعلاقة الإنسان بالله.
وهذا هو جوهر الفارق بين الأخلاق الإنسانية المجردة والأخلاق ذات البعد الديني. فالأخلاق الإنسانية ترتكز على القواعد الاجتماعية التي تحكم العلاقة بين الأفراد والجماعات، بينما الأخلاق الدينية تضيف بُعدًا روحانيًا وإيمانيًا لهذه القواعد، مما يعزز الالتزام بها ويجعلها جزءًا من هوية الفرد وشخصيته.
الخلاصة
الأخلاق هي نتيجة طبيعية لتكوين الإنسان ككائن اجتماعي واعٍ يتمتع بحرية الاختيار بين الخير والشر. هذه الثنائية في الخيارات الأخلاقية هي ما يميز الإنسان عن الكائنات الأخرى، بما في ذلك الملائكة التي تلتزم بنظام أحادي. الأديان، وعلى رأسها الإسلام كدين سماوي، لم تخلق الأخلاق بل ساهمت في تعزيزها ومنحها بُعدًا إيمانيًا يعزز دور الضمير البشري. وبالتالي، لا يمكن تقسيم الأخلاق إلى إسلامية أو غير إسلامية، بل هي أخلاق إنسانية اجتماعية تدعمها الأديان سواء الوضعية أو الدين السماوي لتحقيق الخير والرشد في المجتمع.