مفهوم المسجد في القرءان
كلمة “المسجد” في اللسان العربي مشتقة من الجذر الثلاثي “س-ج- د”، الذي يحمل في طياته دلالة عامة على الخضوع والطاعة، سواء كان ذلك بصورة مادية (وضع الجبهة على الأرض) أو معنوية (الخضوع لأمر ما أو قانون ما). الكلمة تحمل دلالة مادية ومعنوية معًا، حيث أن الفعل المادي للسجود يعبر عن الخضوع المعنوي الكامل.
التحليل الصرفي:
الفعل “سجد” يأتي مضارعه “يَسجُد”، وعادةً يتم اشتقاق أسماء المكان من الفعل الثلاثي تبعًا لحركة عين المضارع. ففي حال كان المضارع مضموم العين أو مفتوح، يُشتق اسم المكان عادةً على وزن “مَفعَل”. بناءً على هذه القاعدة، كان من المتوقع أن يأتي اسم المكان المشتق من “سجد” على وزن “مَفعَل” مثل “معبد” المشتق من “يَعبُد”.
الفرق بين “مسجِد” و”مصنًع”:
• مصنع جاء على وزن “مَفعَل” لأنه مشتق من الفعل “صنَع” الذي مضارعه “يَصنَع”، ويدل على مكان مخصص لصنع شيء معين.
• مسجد: رغم أن القاعدة الصرفية تقول إن الفعل “سجَد” الذي مضارعه مضموم العين أو مفتوح يجب أن ينتج عنه اسم مكان على وزن “مَفعَل”، جاء اسم المكان على وزن “مَفْعِل”. هذا ليس مجرد استثناء، بل يعكس فهمًا أعمق لدلالة “السجود” كفعل يتكرر بصورة مادية ومعنوية، وفيه خضوع تام لله أو للقوانين التي تحكم الشيء. لذلك، المسجد هو المكان الذي يتم فيه “تسجيد الأشياء” بمعنى إخضاعها وفهمها من خلال البحث واكتشاف القوانين.
السجود كخضوع شامل:
“سجد” لا يقتصر فقط على الفعل الجسدي الذي نراه في الصلاة. في القرآن الكريم، السجود يشمل خضوع كافة الكائنات، سواء كانت عاقلة أو غير عاقلة، طوعًا أو كرهًا. هذا يشمل خضوع الشمس والقمر والنجوم، كما هو مذكور في الآية:
“أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ” (الحج: 18).
المسجد كمركز للبحث والتنوير:
وفقًا لهذا الفهم، المسجد ليس مجرد مكان لأداء طقوس دينية، بل هو مركز للبحث والعلم والتفكير. المسجد هو المكان الذي يتم فيه “تسجيد” الأشياء، أي إخضاعها للتحليل العلمي وفهم القوانين التي تحكمها. بهذا المعنى، المسجد هو مركز علمي ومعرفي، حيث يتعلم الناس ويكتشفون حقائق الكون. وطريق النهضة.
السبب في استخدام “مَفْعِل” بدلاً من “مَفعَل”:
استخدام وزن “مَفْعِل” لكلمة “مسجد” يمكن تفسيره بكون المسجد يمثل مكانًا للخضوع الدائم والتفكير المستمر في القوانين الإلهية والطبيعية. بينما “معبد” يشير إلى مكان تتم فيه عبادة متعددة الطقوس، يعكس “مسجد” ارتباطًا أكثر خصوصية بالفعل المستمر والمتكرر للسجود والخضوع المعنوي والمادي لله.
الخلاصة:
المسجد، بناءً على الجذر “سجد” والوزن “مَفْعِل”، يمثل أكثر من مجرد مكان للصلاة؛ إنه مكان للبحث والاكتشاف العلمي، حيث يتم فهم و تسجيد القوانين الطبيعية والاجتماعية و النفسية، ليصير مركزًا للتنوير والوعي.