نقد مقولة”خارج الكون”
تعتبر مسألة “خارج الكون” واحدة من القضايا الفلسفية المثيرة التي تثير تساؤلات حول طبيعة الكون وحدوده. البعض يتساءل عما إذا كان هناك وجود “خارج” هذا الكون الذي نعيش فيه، ويطرح فكرة أن هناك فضاءً أو وجوداً يتجاوز الكون المادي المعروف. إلا أن مثل هذه التصورات تحتاج إلى فحص منطقي دقيق، إذ يمكن القول إن فكرة “خارج الكون” قد تنطوي على بعض المفاهيم المغلوطة. في هذا المقال، سنقوم بتحليل مفهوم “خارج الكون” وتفكيكه من منظور منطقي، لنصل إلى نتيجة مفادها أنه لا يوجد ما يسمى “خارج الكون”، وأن المفاهيم المتعلقة بـ”داخل” و”خارج” مرتبطة بالنظام الزمكاني الكوني. سنستبدل هذا بالمفهوم الأكثر دقة وهو “ما وراء الكون”، والذي يشير إلى وجود أزلي مغاير لنظام الكون الزمكاني: وجود الخالق.
تحليل مقولة “خارج الكون”
1. الكون كنظام زمكاني شامل
من الناحية العلمية والفلسفية، يُفهم الكون على أنه النظام الذي يحتوي على كل ما هو موجود من مادة، طاقة، زمان، ومكان. هذا النظام يُعرّف من خلال العلاقات بين العناصر المختلفة داخله، ويعمل وفق قوانين طبيعية معينة كالزمان والمكان. عند الحديث عن “خارج الكون”، نصطدم بمشكلة منطقية رئيسية: الزمان والمكان هما جزء لا يتجزأ من الكون نفسه. بمعنى آخر، أي محاولة لتحديد “خارج” الكون باستخدام مفاهيم الزمان والمكان تكون غير منطقية، لأن هذه المفاهيم لا يمكن أن تكون إلا ضمن إطار الكون.
إذا تصورنا “خارجاً” من الكون، فعلينا أن نستخدم أدوات مفاهيمية مثل “داخل” و”خارج” التي هي نفسها ناتجة عن الزمان والمكان. لكن هذه المفاهيم تصير بلا معنى عندما نخرج من إطار الكون الزمكاني. أي شيء موجود، سواء أدركناه أو لم ندركه، فهو جزء من الكون.
2. الكون: نظام حادث يخضع للزمان والمكان
بحسب القوانين الفيزيائية التي تحكم الكون، فإن كل شيء ضمن الكون الحادث يتبع نظام الزمان والمكان. أي شيء يتواجد في هذا النظام، سواء كان مرئياً أو غير مرئي، ملموساً أو مجرداً، لا يمكن فصله عن إطار الكون الزمكاني. وعليه، فإن كل ما يمكننا معرفته أو التفكير فيه من خلال هذا الإطار لا يمكن أن يكون “خارج” الكون. كل الموجودات المادية، أو المفاهيم الفكرية المتعلقة بها، هي ضمن هذا النظام.
بالتالي، لا يوجد ما يسمى بـ”خارج” الكون من منظور مادي أو منطقي، لأن هذا المصطلح يقفز فوق الحدود التي يفرضها النظام الكوني. فما لم يكن تحت هذا النظام، فهو لا ينتمي للكون، ويجب أن يتم التفكير فيه بمصطلحات مختلفة.
مفهوم “ما وراء الكون”
1. تجاوز الحدود الزمكانية
إذا كان الكون هو النظام الذي يحتوي على كل ما هو موجود ضمن الزمان والمكان، فإن المفهوم الأكثر دقة لتعريف ما “يتجاوز” الكون هو “ما وراء الكون”. هذا المصطلح لا يحمل في طياته نفس المفارقة المفاهيمية التي تتضمنها فكرة “خارج الكون”، لأنه لا يحاول وضع الزمان والمكان كمقياس لما هو خارجه. بدلاً من ذلك، يشير “ما وراء الكون” إلى وجود مختلف في طبيعته عن الكون، وهو وجود لا يخضع للزمان والمكان.
2. الوجود الأزلي المتمثل بالخالق
من خلال العقل والمنطق، يمكننا الوصول إلى فكرة أن الكون المادي لا يمكن أن يكون أزلياً بذاته، لأنه حادث ويخضع للزمان والمكان. وبالتالي، يجب أن يكون هناك مسبب أو خالق لهذا الكون. هذا الخالق هو وجود أزلي، مستقل عن الكون الزمكاني ولا يتأثر بقوانينه. ومن هنا، يصير مصطلح “ما وراء الكون” هو الأداة المنطقية الصحيحة للإشارة إلى وجود هذا الخالق، الذي يختلف في وجوده وطبيعته عن كل ما هو موجود داخل الكون.
الخالق، أو “الوجود الأزلي”، هو الوحيد الذي لا يخضع لأي من القيود التي نعرفها في الكون. فهو لا يُقاس بالزمان أو المكان، وليس هناك مقاييس أو معايير من داخل الكون يمكن أن تُستخدم لوصف ذاته. إنما نصل إلى إثبات وجوده من خلال ملاحظة أثره، أي خلق الكون وتنظيمه، وهو ما يمكن استنتاجه بالعقل والبرهان المنطقي.
3. البرهان المنطقي على وجود الخالق
العقل الإنساني قادر على التأمل في النظام الكوني وملاحظة الحاجة إلى مسبب أول أو خالق. الكون، بما فيه من نظام دقيق وقوانين معقدة، يشير إلى ضرورة وجود قوة عالمة حكيمة وراءه. ومن خلال التفكر المنطقي، ندرك أن هذا المسبب يجب أن يكون مغايراً للكون الزمكاني، لأنه لو كان جزءاً من الكون أو خاضعاً لنفس قوانينه، لاحتاج هو الآخر إلى مسبب.
الخالق، إذن، هو واجب الوجود الذي لا يخضع للزمان والمكان، ويستحيل إدراك ذاته ولكن يمكن العلم بأسمائه من خلال استنتاجات عقلية تتعلق بأثره في الكون. هذا الوجود الأزلي هو “ما وراء الكون”، ولا يمكن إخضاعه لمفاهيم مثل “داخل” أو “خارج” أو “فوق” أو “تحت”، لأنها مفاهيم مرتبطة حصراً بالنظام الزمكاني.
الخلاصة
من خلال التحليل المنطقي لمفهوم “خارج الكون”، يتضح أن هذا المفهوم يتناقض مع طبيعة النظام الزمكاني الذي يحكم الكون. وكل ما هو موجود، سواء علمنا بوجوده أم لم نعلم، هو جزء من هذا النظام الكوني. وبالتالي، لا يوجد شيء يمكن تسميته “خارج” الكون بالمعنى الزمكاني. بل إن المفهوم الأدق هو “ما وراء الكون”، الذي يشير إلى وجود أزلي مختلف عن نظام الكون المادي، يتمثل بالخالق الذي ثبت وجوده من خلال المنطق والبرهان العقلي. هذا الوجود الأزلي لا يخضع لمعايير الكون المادي يستحيل إدراك ذاته لمغايرته في وجوده عن وجود فعله ، ويمكن أن نعلم مجموعة من أسمائه من خلال استدلالات منطقية كالحي القيوم الأحد الصمد، ومن أثره في الخلق كالعليم والحكيم والقدير.
اضف تعليقا