التغير والحركة والتطور ينقض الأزلية
الكون بمختلف أبعاده وجوانبه يتسم بالتغير، والحركة، والتطور. ابتداءً من الطاقة الأولى التي تشكل أساس كل شيء، فإن التحول من حالة إلى أخرى يمثل سمةً جوهرية لكل ما هو موجود. هذا التحول والتغير يؤدي إلى استنتاج أن كل ما يتحرك أو يتغير أو يتطور هو حادث ضرورة، أي أنه لم يكن موجودًا بذاته منذ الأزل، بل جاء إلى الوجود في لحظة ما.
في هذا المقال، سنثبت أن الوجود الكوني يعتمد على الحركة والتغير، وأن كل ما يتغير أو يتحرك هو حادث ضرورة، مما يعني افتقاره إلى وجود لا يتصف بهذه الصفات، وإلا لاقتضى التسلسل وهو باطل منطقياً.
مفهوم التغير والحركة والتطور
التغير والحركة هما من السمات الأساسية للكون كما هو ثابت في الواقع . بدايةً من النوى الذرية إلى المجرات، كل شيء في حالة حركة مستمرة. الحركة الكونية تشير إلى الانتقال من حالة إلى أخرى، والتطور يبرز من خلال المراحل المختلفة التي تمر بها الظواهر الطبيعية، سواء على مستوى الأجسام الفلكية أو البيولوجية أو حتى الأجسام دون الذرية.
الطاقة الأولى التي يتحدث عنها علماء الفيزياء تشير إلى الطاقة الكامنة في بداية الكون، والتي كانت نقطة انطلاق كل شيء آخر. هذه الطاقة ليست ثابتة، بل تحولت وتغيرت وتحركت بطرق مختلفة لتشكيل المادة والجسيمات، ومن ثم العوالم التي نعرفها اليوم، وهذا يعني بالضرورة أنها حادثة.
إثبات الحدوث والافتقار
من خلال الملاحظة أن كل ما هو موجود يتغير ويتحرك، نستنتج أن ما يتغير حادث، أي أنه لم يكن موجودًا ثم جاء إلى الوجود في لحظة معينة. الحدوث هنا يشير إلى أن الشيء لم يكن ذاتيًا؛ فهو ليس وجودًا مطلقًا، بل كان يوجد سبب لوجوده.
بناءً على هذه الملاحظة، نصل إلى الاستنتاج التالي: كل ما يتغير أو يتحرك أو يتطور يفتقر في وجوده إلى وجود آخر لا يتصف بهذه الصفات. إذا افترضنا أن كل الأشياء المتغيرة تفتقر إلى شيء آخر متغير، فإن هذا يقتضي وجود سلسلة لا نهائية من الأسباب. وهذا ما يُعرف بـ التسلسل، وهو مفهوم باطل منطقيًا لأنه يؤدي إلى نفي وجود نقطة بداية ثابتة.
بطلان التسلسل المنطقي
التسلسل المنطقي ينطوي على فكرة وجود سلسلة غير منتهية من الأسباب التي تؤدي إلى بعضها البعض دون وجود سبب أولي. هذه الفكرة غير منطقية لأنها تؤدي إلى عدم وجود نقطة بدء، مما يعني أن الحدوث لا يمكن تفسيره إطلاقًا. بعبارة أخرى، إذا كان كل شيء يعتمد على شيء آخر قبله في سلسلة لا تنتهي، فإننا لا يمكن أن نصل إلى لحظة بداية، وهذا ينافي منطق الحدوث الذي يتطلب وجود بداية لكل سلسلة.
إذن، نستنتج أن السلسلة السببية لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، بل يجب أن تنتهي بوجود أول لا يتصف بالتغير أو الحركة أو التطور، وجود ثابت غير حادث ولا يتغير، ويكون هو مصدر لكل ما عداه.
الخاتمة
التغير، والحركة، والتطور سمات جوهرية للوجود الكوني، وهي تفضي إلى استنتاج أن كل ما يتغير أو يتحرك أو يتطور هو حادث ضرورة، أي أنه لم يكن موجودًا بذاته منذ الأزل. هذا الحدوث يستلزم افتقارًا إلى وجود آخر لا يتصف بالتغير، مما ينفي إمكانية التسلسل اللانهائي. وبالتالي، وجودنا يعتمد على وجود أول ثابت لا يتغير ولا يتطور، وهو أساس الكون والسبب الأول لكل ما نراه من حركة وتغير في هذا الوجود.