علماء الشيعة وموقفهم من المسجد الأقصى
كتاب “الصحيح من سيرة النبي الأعظم” هو مُؤَلَّف موسوعي ضخم كتبه العالم الشيعي اللبناني جعفر مرتضى الحسيني العاملي. وهو عالم شيعي بارز وله وزنه بين علماء الشيعة. حصل هذا الكتاب على جائزة إيران للكتاب، وهي جائزة ذات مكانة كبيرة في الأوساط الثقافية والدينية الإيرانية، وقد كرّم الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد مؤلف الكتاب لهذه الإنجازات.
يتناول الكتاب سيرة النبي محمد ﷺ بأسلوب تحليلي ونقدي، ويعتبر من أشهر المراجع الحديثة في السيرة النبوية عند الشيعة. يتألف الكتاب من عدة مجلدات حيث يسعى المؤلف إلى تقديم سرد دقيق ومعتمد على المصادر التاريخية للوقائع التي حدثت في حياة النبي محمد ﷺ.
نبذة عن المؤلف:
وُلد جعفر مرتضى الحسيني العاملي في جبل عامل بجنوب لبنان عام 1945. بدأ تحصيله العلمي في العلوم الشيعية منذ صغره تحت إشراف والده، ثم انتقل إلى النجف بالعراق في عام 1962 لإكمال تعليمه. في عام 1968، توجه إلى الحوزة العلمية في مدينة قم بإيران، حيث أتم دراسته وأسس بعض المدارس الشيعية هناك. بعد ذلك، عاد إلى مسقط رأسه بجنوب لبنان في عام 1992، وكان دائم التنقل بين لبنان، النجف، قم، وطهران.
ماذا قال العاملي عن المسجد الأقصى؟
في الجزء الثالث من كتابه، طرح جعفر مرتضى العاملي رأيًا مثيرًا للجدل حول دلالة “المسجد الأقصى” في القرآن الكريم. حيث قال:
“حين دخل عمر بن الخطاب بيت المقدس لم يكن هناك مسجد أصلاً، فضلاً عن أن يُسمى أقصى. والمسجد الأقصى الذي حصل الإسراء إليه، والذي بارك الله حوله هو في السماء.”
وأشار إلى أنه تناول هذا الموضوع بالتفصيل في كتابه “المسجد الأقصى، أين؟”، حيث أكد أن المسجد الأقصى المشار إليه في القرآن هو في السماء الرابعة، وتحديدًا في البيت المعمور. وقد استدل العاملي على رأيه بكلام أكابر علماء الشيعة، مثل العلامة المجلسي في كتابه “بحار الأنوار”، الذي يُعتبر من المراجع الأساسية في الفكر الشيعي.
أدلة العاملي:
اعتمد جعفر مرتضى العاملي في طرحه على بعض التأويلات والروايات التي تناقش أن “المسجد الأقصى” ليس المكان الموجود في القدس، بل هو مكان في السماء. من هذه الأدلة:
1. تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي، الذي يناقش دلالة كلمة “الأقصى” بأنها تعني “الأبعد”، دون أن يحدد بشكل قاطع أن المقصود هو المسجد الموجود في فلسطين.
2. بحار الأنوار للعلامة المجلسي، حيث أشار إلى أن الإسراء قد يكون حدثًا روحانيًا أو رؤيا، مما يعني أن المسجد الأقصى قد لا يكون مكانًا ماديًا على الأرض، بل في السماء.
3. استشهد العاملي في كتابه “المسجد الأقصى، أين؟” بأن المسجد الأقصى يقع في السماء الرابعة، مستندًا على نصوص وروايات تُعزّز هذا الرأي في التراث الشيعي.
الخلاصة:
يشير جعفر مرتضى العاملي في كتابه إلى أن “المسجد الأقصى” المذكور في الآية الكريمة {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء: 1]، ليس المسجد المعروف في فلسطين، وإنما هو في السماء. هذه الرؤية تختلف عن التفسير السائد في الأوساط الإسلامية السنية، وهي تُستند إلى تأويلات دينية ومصادر شيعية مهمة.
هذا الفهم يُساعد في فهم الرؤية السياسية والدينية لإيران وموقفها تجاه المسجد الأقصى في فلسطين والقضية، ومدى جديتها في التعامل مع قضية المسجد على مستوى الصراع الإقليمي.