دولة إيران لا عربية ولا إسلامية
تُعدُّ إيران كنظام سياسي من أبرز الدول التي تعلن دعمها للقضية الفلسطينية والمقاومة ضد إسرائيل منذ الثورة الإسلامية عام 1979. هذا الدعم، الذي يأخذ أشكالاً متعددة مثل الدعم المالي، التسليح، والموقف السياسي، قد يثير تساؤلات كثيرة نظرًا للاختلافات العقائدية والقومية بين إيران الشيعية وفلسطين ذات الأغلبية السنية العربية. من هنا، يمكن تحليل هذا الموقف السياسي الإيراني من عدة زوايا لفهم أبعاده وأهدافه الحقيقية، خاصة في ظل التدخلات الإيرانية في دول عربية أخرى والتسبب في زعزعة استقرارها.
الاختلافات الدينية والقومية
• المنظور الديني: في المذهب الشيعي، لا يوجد ارتباط واضح بين “المسجد الأقصى” المذكور في القرآن وبين المسجد الأقصى الموجود في القدس، إذ تختلف بعض التأويلات الشيعية عن التأويلات السنية حول هذا الموضوع. ومع ذلك، يصر النظام الإيراني على استخدام “القدس” كرمز للوحدة الإسلامية ضد إسرائيل، على الرغم من هذه الفروقات العقائدية. هذا يُظهر أن الدعم الإيراني ليس نابعًا من التزام ديني خالص تجاه المسجد الأقصى كما قد يكون لدى العديد من المسلمين السنة، بل هو أكثر توظيفًا سياسيًا ودعائيًا لقضية تجمع المسلمين ضد عدو مشترك.
• المنظور القومي: إيران هي دولة فارسية، بينما الشعب الفلسطيني عربي، ولا توجد روابط قومية أو عرقية تربط الشعبين. وعلى الرغم من هذا الاختلاف، تستخدم إيران القضية الفلسطينية كوسيلة لبناء جسور تعاطف مع العالم العربي، في وقت تعاني فيه من العزلة الإقليمية والدولية. لذلك، يمكن القول إن الدوافع القومية لإيران تكاد تكون منعدمة، وأن الهدف هنا هو بناء نفوذ سياسي في العالم العربي.
الطائفية والاختلاف المذهبي
إيران تتبع المذهب الشيعي الإثني عشري وتروج له في سياساتها الإقليمية، بينما الشعب الفلسطيني بأغلبيته الساحقة يتبع المذهب السني. تاريخيًا، كانت العلاقات بين السنة والشيعة مشوبة بالشكوك والخلافات، وهذا يجعل من الدعم الإيراني لفلسطين السنية يبدو غير منسجم على السطح.
رغم هذا، نجحت إيران في تجاوز هذه الخلافات من خلال دعم فصائل مقاومة فلسطينية مثل حركة “حماس” السنية، و”الجهاد الإسلامي”، مبررة ذلك بأن العداء لإسرائيل هو القضية المركزية التي تتجاوز الخلافات الطائفية. هذه الإستراتيجية تهدف إلى تصدير صورة إيران كزعيمة للمقاومة ضد “العدو المشترك”، وفي نفس الوقت تعزيز نفوذها في الساحة العربية السنية.
الأهداف السياسية والاستراتيجية
الدعم الإيراني للقضية الفلسطينية يخدم عدة مصالح سياسية واستراتيجية لإيران:
1. تعزيز النفوذ الإقليمي: إيران تسعى إلى توسيع نفوذها في العالم العربي، وبما أن القضية الفلسطينية تعد قضية مركزية في الوجدان العربي، فإن دعمها يتيح لإيران فرصة للتأثير في الشؤون الداخلية للدول العربية وكسب تعاطف الشعوب العربية والإسلامية.
2. تأمين التحالفات الإقليمية: من خلال دعم الفصائل الفلسطينية، تسعى إيران لتشكيل تحالفات إقليمية مع الجماعات المقاومة، وتعمل على تقويض النفوذ الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة. دعم إيران للمقاومة الفلسطينية، مع دعواتها لتحرير القدس، يشكل رافعة رئيسية لهذه الاستراتيجية، خاصة في ظل التوترات مع الدول السنية الكبرى مثل السعودية.
3. الصراع مع إسرائيل والولايات المتحدة: إيران تعتبر إسرائيل عدوًا استراتيجيًا رئيسيًا، ويشكل دعم المقاومة الفلسطينية وسيلة لخلق ضغوط على إسرائيل عبر “حروب الوكالة”، حيث تدعم الفصائل الفلسطينية في مقاومة إسرائيل من أجل تحقيق مكاسب على الأرض دون الدخول في مواجهة مباشر، ولا يوجد نية عند إيران في القضاء على إسرائيل.
4. تصدير الثورة الإسلامية: منذ الثورة الإسلامية، تسعى إيران لتصدير أفكارها إلى الخارج، وتروّج لنفسها كمدافع عن حقوق الشعوب المسلمة والمظلومة. دعمها لفلسطين هو جزء من هذا الخطاب الواسع الذي يهدف إلى نشر نموذج الثورة الإيرانية كقوة تحررية، على الرغم من التباين الطائفي.
التدخلات الإيرانية: هدم الدول العربية وتشريد الملايين
إلى جانب دعمها للقضية الفلسطينية، فإن إيران تلعب دورًا كبيرًا في زعزعة استقرار عدد من الدول العربية، ما يثير التساؤلات حول نواياها الحقيقية تجاه فلسطين والسنة العرب بشكل عام. التدخلات الإيرانية في كل من الأحواز، العراق، سوريا، لبنان، واليمن، وكذلك محاولاتها توسيع نفوذها في دول أخرى مثل السودان وليبيا، تسلط الضوء على جانب آخر من سياسات إيران الإقليمية.
1. الأحواز: هذه المنطقة العربية المحتلة من قبل إيران منذ عام 1925، تتعرض لاضطهاد ثقافي ولغوي شديد، حيث تعاني من محاولات طمس الهوية العربية والإسلامية للأحوازيين.
2. العراق: بعد سقوط صدام حسين في 2003، عززت إيران نفوذها من خلال دعم الميليشيات الطائفية التي استهدفت السنة العراقيين، ما أدى إلى عمليات قتل وتهجير جماعية وتغيير ديموغرافي.
3. سوريا: دعمت إيران النظام السوري في مواجهة الثورة الشعبية، مما أدى إلى دمار واسع النطاق في البلاد، وتشريد ملايين المدنيين، ومعظمهم من العرب السنة.
4. لبنان: حزب الله المدعوم من إيران يسيطر على المشهد السياسي اللبناني، وشارك بفعالية في الحرب السورية، مما ساهم في تفاقم الانقسام الطائفي في المنطقة.
5. اليمن: إيران دعمت جماعة الحوثي الشيعية التي انقلبت على الحكومة الشرعية، ما أدى إلى حرب أهلية كارثية وتشريد وقتل الآلاف من السنة.
6. التوسع في إفريقيا: إيران تسعى أيضًا إلى توسيع نفوذها في دول إفريقية مثل السودان وليبيا، حيث تستغل الصراعات الداخلية لتعزيز مكانتها.
الدعم المالي والعسكري: نوايا حسنة أم مصالح؟
الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه إيران لفصائل فلسطينية، مثل حماس والجهاد الإسلامي، قد يثير تساؤلات حول نوايا إيران الحقيقية. هل هذا الدعم يجعل إيران حليفًا مخلصًا للعرب والمسلمين السنة، أم أن له أهدافًا أخرى؟
• الجانب الإيجابي: قد يرى البعض أن الدعم الإيراني للفلسطينيين يُظهر نية صادقة للوقوف ضد الظلم والعدوان الإسرائيلي. ومن هذا المنطلق، قد يُفهم أن إيران تقدم هذا الدعم انطلاقًا من مبدأ إسلامي يدعو إلى الدفاع عن المسلمين ومقدساتهم.
• الجانب الآخر: يمكن اعتبار أن إيران تستغل القضية الفلسطينية كوسيلة لتحقيق مكاسب سياسية وإقليمية، ولتعزيز نفوذها في المنطقة العربية. الدعم المالي والعسكري لا يُعبر بالضرورة عن تبنّي إيران لقضية فلسطين بشكل صادق، بل هو جزء من استراتيجيتها لتوجيه الأنظار بعيدًا عن سياساتها التوسعية في المنطقة. علاوة على ذلك، استخدام إيران للقضية الفلسطينية لا يعكس بالضرورة اهتمامًا بمصالح الشعب الفلسطيني بقدر ما هو جزء من مشروعها الإقليمي في مواجهة إسرائيل وبعض الأنظمة العربية السنية.
السؤال المركزي: هل يمكن لإيران أن تكون صديقة للشعب الفلسطيني السني؟
في ضوء التدخلات الإيرانية في العالم العربي وما تسببت به من دمار وقتل وتشريد، يُصبح من الصعب اعتبار إيران حليفًا وفياً للشعب الفلسطيني المسلم السني. إيران كانت سبباً مباشراً بتدمير خمس دول عربية وتشريد الملايين من السنة العرب، ومن الصعب أن تكون صديقة مخلصة للفلسطينيين في هذا السياق. تدخلاتها الطائفية في العراق، سوريا، واليمن، واللبنان فضلًا عن احتلال الأحواز، تشير إلى أن نوايا إيران ليست حسنة أو صديقة للعرب السنة.
الخاتمة: إيران والفلسطينيون بين الشعارات والواقع
إيران وحزب الله قدَّما دعماً لبعض الفصائل الفلسطينية، ولكن هذا الدعم لا يعني بالضرورة أن إيران حليف مخلص أو صديقة حقيقية للشعب الفلسطيني المسلم السني. التدخلات الإيرانية في المنطقة أثبتت أن لديها مشروعاً طائفياً وسياسياً أوسع، يهدف إلى تعزيز نفوذها الإقليمي على حساب العرب السنة، سواء في العراق أو سوريا أو اليمن.
من هنا، يمكن القول إن دعم إيران للفلسطينيين يأتي في إطار مصالحها الخاصة وليس انطلاقًا من مبادئ إسلامية أو قومية أو إنسانية. وبالتالي، فإن التصديق بأن دولة دمرت خمس دول عربية وشردت وقتلت ملايين السنة يمكن أن تكون حليفة وفية للفلسطينيين يُعتبر تصديقًا خاطئًا بل هو غباء سياسي وسذاجة أن تضع يدك بيد ملوثة بدماء أخيك، إذ أن ما تدعيه إيران يتناقض مع ما تفعله على أرض الواقع.