حقيقة الصراع الإيراني الإسرائيلي

و تحليل القصف الأخير وتوظيف الرموز الدينية

الصراع بين إيران وإسرائيل يتجاوز الجوانب الدينية والقومية، ليدخل في عمق المصالح الجيوسياسية والإقليمية التي تشكل التوترات بين الطرفين منذ عقود. على الرغم من الخطاب العدائي المكثف بينهما، فإن أفعالهما على الأرض قد تكشف أهدافًا أعمق من مجرد العداوة الدينية. في هذا المقال، سنتناول أبعاد هذا الصراع من خلال تحليل القصف الإيراني الأخير على تل أبيب بـ400 صاروخ، وتوظيف الرموز الدينية مثل القدس والمسجد الأقصى في خطاب إيران السياسي، بالإضافة إلى فهم الأسباب الخفية وراء الصراع.

  1. تحليل القصف الإيراني الأخير على تل أبيب: حقيقة التأثير والمفاجأة

أحد أبرز الأحداث في هذا الصراع كان إطلاق 400 صاروخ باليستي من قبل إيران أو من خلال حلفائها على تل أبيب. هذا القصف جاء بعد شهور من التهديدات العلنية من إيران وبعض الجماعات المرتبطة بها، مما يثير تساؤلات حول تأثير هذه الصواريخ وحجم المفاجأة بالنسبة لإسرائيل.

أ. التأثير المحدود للصواريخ:

على الرغم من العدد الكبير للصواريخ الموجهة نحو تل أبيب، فإن الأضرار التي نتجت عن القصف كانت محدودة. جزء كبير من الصواريخ تم اعتراضه بواسطة منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية المتطورة، والتي صُممت لاعتراض الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى. الصواريخ التي نجحت في تجاوز الدفاعات الإسرائيلية كانت تحمل رؤوسًا حربية صغيرة وغير تدميرية، مما قلل من الأضرار بشكل كبير.

ب. هل كانت هناك مفاجأة؟

بفضل التكنولوجيا المتطورة وأنظمة الإنذار المبكر، كان لدى إسرائيل وقت كافٍ للاستعداد بعد معرفة نية الهجوم. وبما أن التوقيت وعدد الصواريخ والأهداف كانت معلومة مسبقًا، يمكن القول إن القصف لم يكن مفاجأة تامة. مع ذلك، قد يكون عنصر المفاجأة تكمن في التكتيك المستخدم أو الكثافة العددية للصواريخ.

  1. لماذا كان القصف محدودًا وغير مؤثر؟

أ. نوعية الصواريخ وحجم المتفجرات:

من الواضح أن الصواريخ التي أُطلقت لم تكن تهدف إلى إحداث دمار شامل. إيران أو الجماعات المتحالفة معها، مثل حماس أو حزب الله، قد تعتمد على صواريخ ذات قدرة تدميرية محدودة، مصممة للاستنزاف النفسي والعسكري بدلاً من إحداث تأثير مادي كبير. من خلال إطلاق عدد كبير من الصواريخ الصغيرة، يمكنهم محاولة إرباك الدفاعات الإسرائيلية دون المخاطرة بإثارة رد عسكري واسع النطاق من إسرائيل.

ب. التوازن بين الردع وتجنب التصعيد:

إيران تدرك أن الهجمات الكبرى التي تؤدي إلى دمار شامل قد تدفع إسرائيل إلى رد عسكري قوي، وربما تدخل دولي من قبل الولايات المتحدة وحلفائها. لذا، قد تختار إيران أو حلفاؤها استراتيجية الهجمات المحدودة، التي تبقي الصراع في مستوى الحرب الاستنزافية دون التصعيد إلى حرب شاملة.

  1. الانتظار الطويل في الرد: الحسابات الاستراتيجية لإيران

أ. المصلحة الوطنية والإقليمية:

إيران تسعى في سياساتها إلى تجنب مواجهة مباشرة مع إسرائيل على نطاق واسع، حيث أن مثل هذا التصعيد يمكن أن يؤدي إلى تدخل دولي ويعزز الضغوط الاقتصادية والسياسية المفروضة عليها. الخسائر خارج إيران – سواء في صفوف حماس أو حزب الله – قد لا تمثل خطرًا كبيرًا على الأمن القومي الإيراني، مما يفسر الانتظار الطويل قبل الرد العسكري.

ب. الهدف من الخطاب الإعلامي:

إيران تعتمد بشكل كبير على الخطاب الإعلامي والتهديدات ضد إسرائيل من أجل تعزيز صورتها كقوة إقليمية تدافع عن القدس والمسجد الأقصى. هذه التصريحات غالبًا ما تكون أداة لحفظ ماء الوجه أمام الجماهير الإيرانية والإسلامية، دون أن تكون مرتبطة بتحركات عسكرية فورية أو فعالة.

  1. المسرحية الإعلامية أم الصراع الحقيقي؟

توظف إيران قضية القدس والمسجد الأقصى في خطابها السياسي لتعزيز شرعيتها الثورية ومكانتها كمدافع عن المقدسات الإسلامية. ولكن، بالنظر إلى سياسات إيران العملية على الأرض، يبدو أن هذا الاهتمام بالقدس والمسجد الأقصى يتخذ طابعًا رمزيًا أكثر منه حقيقيًا.

أ. استخدام القدس كأداة سياسية:

إيران تستغل القضية الفلسطينية، وخاصة القدس، كأداة لحشد الدعم في العالم الإسلامي، لكنها في الواقع تركّز على مصالحها الإقليمية ونفوذها السياسي في دول مثل العراق، سوريا، ولبنان. وبالتالي، فإن القدس تُستخدم أساسًا كأداة دعائية، وليس كأولوية عسكرية أو سياسية.

ب. التجنب المقصود للتصعيد الشامل:

إيران تعرف أن التصعيد الكبير مع إسرائيل سيؤدي إلى تداعيات خطيرة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، لذا فهي تعتمد على هجمات محدودة وحملات إعلامية للحفاظ على توازن القوى دون تصعيد الصراع إلى مستوى لا يمكن السيطرة عليه.

  1. الصراع الإيراني الإسرائيلي: أبعاد أعمق من العداوة الدينية

الصراع بين إيران وإسرائيل لا ينبع من عداوة دينية تقليدية، بل هو صراع جيوسياسي وإيديولوجي يتعلق بالنفوذ الإقليمي، والسباق على القوة العسكرية، وخاصة فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي.

أ. التنافس على النفوذ الإقليمي:

إيران تسعى إلى توسيع نفوذها الإقليمي من خلال دعم الفصائل المسلحة والجماعات المعارضة لإسرائيل مثل حماس وحزب الله. إسرائيل، من جهتها، تعمل على تحجيم هذا النفوذ عن طريق تحالفات جديدة في المنطقة، وخاصة مع دول الخليج مثل السعودية والإمارات.

ب. برنامج إيران النووي:

إسرائيل ترى في برنامج إيران النووي تهديدًا وجوديًا وتعمل على منعه بكل السبل، بما في ذلك العمليات السرية والهجمات الإلكترونية. في المقابل، تعتبر إيران برنامجها النووي ركيزة سيادتها وأداة لتحصين نفسها ضد الضغوط الدولية والإسرائيلية.

الخلاصة:

الصراع بين إيران وإسرائيل هو صراع سياسي وجيوسياسي يتجاوز الأبعاد الدينية أو القومية التقليدية. ولا يوجد نية حقيقية عند الطرفين لإزالة الآخر، والقصف الأخير على تل أبيب بـ400 صاروخ، رغم العدد الكبير، كان محدودًا في تأثيره، ويشير إلى أن إيران تعتمد استراتيجية الحرب الاستنزافية دون التصعيد إلى مواجهة شاملة. من جهة أخرى، تستخدم إيران قضية القدس والمسجد الأقصى كأداة دعائية لتعزيز شرعيتها في العالم الإسلامي، ولكن الواقع يشير إلى أن المصالح الإقليمية هي الدافع الرئيسي وراء سياساتها.

إيران، في نهاية المطاف، تنأى بنفسها عن التصعيد المباشر مع إسرائيل، وتعتمد على حلفائها في المنطقة لتنفيذ أجنداتها الجيوسياسية، بينما تبقى القوة الحقيقية للصراع متمركزة حول سباق التسلح والنفوذ الإقليمي.