على من نزلت التوراة؟
لا يوجد نص صريح في القرآن يربط نزول التوراة مباشرة بالنبي موسى عليه السلام، وبالتالي يمكن دراسة الموضوع من خلال النظر في الأدلة السياقية والتاريخية المستمدة من القرآن وتفسيره، بالإضافة إلى سياق الأحداث والوقائع التاريخية التي وردت في القرآن عن بني إسرائيل والنبي موسى.
- الاستدلال السياقي من القرآن:
رغم عدم وجود نص صريح في القرآن يقول “نزلت التوراة على موسى” بشكل مباشر، هناك العديد من الآيات التي تربط بين موسى عليه السلام وبين التوراة بطريقة غير مباشرة عبر السياق.
أ- الإشارة إلى موسى عليه السلام والتوراة في نفس السياق:
في العديد من المواضع في القرآن، يتم ذكر موسى وما يدل على التوراة في نفس السياق، مما يشير إلى وجود علاقة مباشرة بينهما:
- سورة الأعراف 7:144-145:
يقول الله تعالى لموسى:
“قالَ يا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النّاسِ بِرِسالَاتي وَبِكَلَامِي فَخُذْ ما آتيتُكَ وَكُنْ مِنَ الشّاكِرِينَ * وَكَتَبْنا لَهُ فِي الأَلْواحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها”.
في هذا النص يتم ذكر أن الله أعطى موسى الألواح التي تحتوي على المواعظ والتفصيلات. الألواح في هذا السياق تشير إلى توراة موسى لأنها الكتاب الذي يتضمن الشرائع والقوانين.
ب- الربط بين الكتاب الموحى إلى موسى والتوراة:
في عدة آيات يتم الحديث عن الكتاب الذي أوحي إلى موسى بطريقة تفهم منها أنه التوراة:
- سورة الأحقاف 46:12:
“وَمِن قَبْلِهِ كِتابُ مُوسَى إِمامًا وَرَحْمَةً”.
يُذكر هنا “كتاب موسى” بشكل مستقل، وهذا الكتاب، بالتوافق مع الفهم التاريخي والديني، هو التوراة.
- الاستدلال التاريخي من القرآن:
يتحدث القرآن عن بني إسرائيل والشرائع التي أُنزلت عليهم والتي تُعرف تاريخياً باسم التوراة. وبما أن موسى عليه السلام هو القائد الأساسي لبني إسرائيل، فإنه من المنطقي أن نفهم أن الكتاب الذي نزل عليهم هو التوراة.
أ- الإشارة إلى توراة بني إسرائيل:
- سورة المائدة 5:44:
“إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ”.
هذه الآية توضح أن التوراة كانت الكتاب الذي يحكم به النبيون من بني إسرائيل، والنبي الأساسي لبني إسرائيل هو موسى.
ب- موسى عليه السلام كنبي ورسول كتاب لبني إسرائيل:
- سورة الأعراف 7:159:
“وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ”.
هذا يشير إلى أن موسى هو الذي قاد قومه بني إسرائيل، وأمرهم بالعدل والهداية. وهذا يتفق مع دوره كمستلم للتوراة التي تحتوي على الشرائع.
- التفسيرات والموروث التفسيري:
الموروث التفسيري الإسلامي يجمع على أن التوراة هي الكتاب الذي أوحي إلى موسى. المفسرون الكبار مثل الطبري والقرطبي وابن كثير اتفقوا على أن الألواح التي ذُكرت في القرآن هي جزء من التوراة وأن موسى هو الذي نزلت عليه التوراة.
4. الفهم التقليدي في ثقافة أهل الكتاب:
ثقافة أهل الكتاب ومراجعهم يعدون أن موسى هو الذي نزلت عليه التوراة في جبل سيناء. والتقاليد الدينية تشير بوضوح إلى موسى كوسيط بين الله وبني إسرائيل لتلقي هذه الشريعة.
- 5. الاستنتاج المنطقي:
بالنظر إلى الأدلة السياقية والتاريخية في القرآن، بالإضافة إلى الموروث التفسيري، يمكن الاستنتاج بشكل منطقي أن التوراة نزلت على النبي موسى. رغم عدم وجود نص صريح بالصيغة التي تقول “نزلت التوراة على موسى”، إلا أن الأدلة المختلفة التي تربط بين موسى والكتاب السماوي الموحى إليه، وبين التوراة ككتاب شرائع لبني إسرائيل، تؤدي إلى هذا الاستنتاج بشكل طبيعي ومنطقي.
اضف تعليقا