دلالة كلمة رُوح ورَوح
الجذر “ر- و-ح” في اللسان العربي يتصل بمفهوم أعمق وأوسع مما يُفهم عادةً، ويشير إلى النظام السنني الذي يحكم الوجود بأسره، من الذرة إلى المجرة. هذا الجذر يعبّر عن الحركات المستمرة والانتقالات التي تميز القوانين والسنن الكونية. وفي القرآن الكريم، لا ترتبط كلمة “رُوح” بمفاهيم النفس أو الموت أو الوفاة، بل تعني القوانين والأوامر الإلهية التي تتحكم في كل جوانب الوجود، وهي لفظة مذكرة .
{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً }النبأ38
تحليل الجذر “ر- و-ح“:
- ر: يدل على الحركة المستمرة والتكرار، وهو يعبر عن استمرارية عمل السنن والقوانين في الكون.
- و: يعبر عن الامتداد والضم والاحتواء المكاني، مما يعني أن هذه السنن تعمل على مستوى الكون كله، تشمل كل شيء من أصغر الذرات إلى أعظم المجرات.
- ح: يشير إلى التأرجح والانتقال بين نقاط متعددة مع سعة، مما يدل على ديناميكية النظام وسعته وتأثيره في كل الاتجاهات.
الروح في المفهوم القرآني:
في القرآن، “الرُوح“ (بضم الراء) يأتي للإشارة إلى أمر من الله، وهو نظام سنني يحقق سيطرة قوانين الكون ويدير حركته وانتظامه. الروح هنا لا علاقة له بالنفس أو بالموت والتوفي، بل يعبر عن القوانين التي من خلالها يتحقق وجود الكون واستمراره. هذا الروح يمثل “أمر الرب” كما جاء في قوله تعالى:
“وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي“ (الإسراء: 85)
هذه الآية توضح أن الروح هو من أمر الرب، ويعني السنن التي بها يُسيَّر الكون، فهو تعبير عن النواميس الربانية التي تنظم الحياة والوجود.
القرآن ذاته اتصف بالروح:
القرآن الكريم اتصف بـ”الروح” لأنه يحتوي على سنن وقوانين ومعلومات كونية تسير وفقاً لأمر الله. هو ليس مجرد كتاب تشريعي فقط، بل هو أيضًا مرشد كوني يحتوي على حقائق علمية وسنن تحكم الكون والحياة. من هنا يمكن القول إن القرآن هو “روح” لأنه يحمل النظام السنني، الذي يوضح كيفية عمل الكون ويقدم المعرفة التي تحكم الوجود.
“وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۖ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ“ (الشورى: 52)
جبريل والروح:
جبريل (عليه السلام) يُسمى “روحًا” في القرآن الكريم لأنه مكلف بتنزيل “الروح” (أي أوامر الله وسننه) على الأنبياء. دوره في تبليغ الوحي يجعل من وظيفته تمثيل الوسيط الذي ينقل النظام السنني والمعرفة من الله إلى الأنبياء. فهو ليس مجرد حامل للوحي بالمعنى التقليدي، بل هو حامل للسنن الكونية والنظام الذي يضبط الحياة والوجود من خلال النصوص الإلهية.
“نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ “ (الشعراء: 193)
نفخ الروح في البشر:
الآية التي تقول: “وَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُوحِنَا“ (السجدة: 9) تعني أن الله قد منح البشر جزءًا من أمره وعلمه وسننه. “الروح”فصار بها إنسانا واعياً، هنا تشير إلى العلم والإرادة الإلهية التي تتحكم في الخلق والوجود. هذا النفخ لا يعني إعطاء جزء من الذات الإلهية، بل يعني إعطاء البشر القدرة على الفهم والتفاعل مع السنن التي تحكم الكون. أي أن “الروح” هنا هو الرباني الذي يضفي على البشر القدرة على التفاعل مع القوانين الإلهية وفهمه من خلال جعله إنساناً.
الفرق بين “رُوح” و”رَوح“:
- رُوح (بضم الراء): يعني النظام السنني أو القانون الكوني الذي يحكم الكون من خلال أمر الرب. هذا المصطلح يشمل جميع النواميس والقوانين التي تجعل الكون يعمل بانسجام.
- رَوح (بفتح الراء): يشير إلى الراحة والتخفيف والانفراج، ويعبر عن انتقال من حالة الشدة أو الضغط إلى حالة الراحة. هذه الكلمة تحمل مفهوم التحول، لكنها تختلف في المعنى عن “رُوح” السنني.
ورغم هذا الاختلاف، إلا أن كلا المعنيين يرتبطان بالجذر “ر- و-ح” الذي يدل على حركة مستمرة وانتقال من حالة إلى أخرى. فـ”رُوح” (النظام السنني) تحكم جميع الحركات في الكون، و”رَوح” (الراحة) تمثل جزءًا من هذه التحولات الطبيعية التي تحدث في الحياة.
تطبيق مفهوم الجذر على الكلمتين:
- ر: الحركة المتكررة، تشير إلى استمرار عمل القوانين الكونية في “رُوح”، واستمرار التحول من شدة إلى راحة في “رَوح”.
- و: الامتداد المكاني، يشير إلى أن “رُوح” تتحكم في الكون بأكمله، بينما “رَوح” تشير إلى امتداد الراحة على الإنسان بعد الشدة.
- ح: التأرجح والانتقال بين النقاط، وهذا يعكس ديناميكية النظام السنني في “رُوح”، والانتقال من الضغط إلى الراحة في “رَوح”.
الخلاصة:
الجذر “ر- و-ح” يعبر عن نظام سنني يمتد عبر الكون ويحكمه بأوامر الرب. “الرُوح” يشير إلى هذا النظام الذي يتصف بالديناميكية والامتداد والسيطرة على كل شيء، وهو من “أمر الرب” كما جاء في القرآن. القرآن نفسه اتصف بالروح لاحتوائه على سنن وقوانين كونية، وجبريل سُمي “روحًا” لأنه مكلف بنقل هذه الروح (الأوامر والسنن) إلى الأنبياء.
اضف تعليقا