تحليل كتاب

                 “الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة” لمحمد شحرور

 

محمد شحرور، الكاتب السوري والمفكر الإسلامي المعروف، قدم في كتابه “الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة” منظورًا جديدًا لفهم النصوص القرآنية، يهدف إلى إعادة قراءة القرآن بطريقة معاصرة تتماشى مع متطلبات العصر الحديث، وهو كتاب كبير واحتوى كثير من المواضيع الكلية والتفصيلية ويصعب ذكر كل مواضيعه. ويركز الكتاب على عدة محاور رئيسية يمكن تلخيصها على النحو التالي:

 

   مقدمة الكتاب

يشدد شحرور في مقدمة كتابه على أهمية إعادة قراءة النص القرآني بعيدًا عن التفسيرات التقليدية التي تشكلت على مدار القرون. يعتقد أن العديد من المفاهيم التقليدية قد ساهمت في تعقيد الفهم الصحيح للقرآن وفي تأخير التطور الفكري للمسلمين.

 

  مفهوم الكتاب والقرآن

يبدأ شحرور بتقديم تمييز دقيق بين مفهوم “الكتاب” و”القرآن”. يوضح أن “الكتاب” يشمل جميع الكتب السماوية التي أنزلت على الأنبياء، بينما “القرآن” هو الكتاب الذي أنزل على النبي محمد. وفقًا لشحرور، فإن الكتاب يمثل الرسالة ، والقرءان يمثل العلوم والنبوءات

 

   النسخ والشريعة

يناقش شحرور مفهوم النسخ في القرآن بشكل موسع، مشيرًا إلى أن الفهم التقليدي للنسخ يحتاج إلى إعادة نظر. يرفض فكرة أن الآيات يمكن أن تُلغى بآيات أخرى، معتبرًا أن النسخ يتعلق بتغيير التشريع وفقًا لتغير الظروف الزمنية والمكانية ويكون بين شرع لاحق وشرع سابق. يدعو إلى فهم الشريعة بطريقة تتماشى مع تطورات العصر، موضحًا أن الشريعة ليست ثابتة بل متغيرة بتغير الزمن والأحوال.

 

   العقل والتفسير

يدعو شحرور إلى استخدام العقل في تفسير النصوص القرآنية، معتبرًا أن العقل هو الأداة التي منحها الله للإنسان ليفهم ويطبق تعاليمه. ينتقد النهج التقليدي الذي يعتمد على النقل دون العقل، ويرى أن الاعتماد على العقل يمكن أن يسهم في تحقيق فهم أعمق وأشمل للنص القرآني.

 

  المرأة والحقوق

يولي شحرور اهتمامًا كبيرًا لقضايا المرأة في الإسلام، حيث يقدم قراءة جديدة للآيات المتعلقة بالمرأة وحقوقها. يعتبر أن العديد من الأحكام المتعلقة بالمرأة في الفقه الإسلامي التقليدي تستند إلى تفسيرات تاريخية وثقافية قديمة ولا تتماشى مع روح العصر الحديث. يدعو إلى إعادة تفسير هذه الآيات بطريقة تعطي المرأة حقوقها كاملة وتتوافق مع مبدأ المساواة والعدالة.

 

  الحرية والدين

يتناول شحرور مفهوم الحرية في الإسلام، مؤكدًا أن الحرية هي من القيم الأساسية التي يدعو إليها القرآن وهي الكلمة الله العليا. ويرى أن الفهم التقليدي للإسلام قد أدى إلى تقييد حرية الفرد، ويدعو إلى إعادة تفسير النصوص بما يتماشى مع قيمة الحرية الإنسانية.

 

الدين والدولة

يرى شحرور أن العلاقة بين الدين والدولة لا تقوم على الفصل ولا على الدمج، وإنما يوجد علاقة جدلية بينهما حيث يكون الدين مصدر رئيس لدستور الدولة والقوانين بجوار مصادر أخرى لاتنقضه، ويرى وجوب فصل الدين عن الحكومة السلطة التنفيذية و السياسية.

 

 المصطلحات القرآنية

يتناول شحرور العديد من المصطلحات القرآنية ويفسرها بطرق جديدة. على سبيل المثال، يعيد تفسير مفهوم “الجهاد” ليشمل الجهاد الفكري والاجتماعي وليس فقط الجهاد العسكري. يرى أن العديد من المصطلحات قد أسيء فهمها وتفسيرها عبر التاريخ ويحتاج إلى إعادة نظر.

 

  المنهج اللساني

أحد المحاور الرئيسية في كتاب شحرور هو اعتماده على المنهج اللساني في تحليل النصوص القرآنية. يرتكز هذا المنهج على عدة قواعد، من أبرزها قاعدة نفي الترادف (التطابق): “إذا اختلف المبنى اختلف المعنى”. وفقًا لهذه القاعدة، لا يمكن أن يكون هناك تطابق حقيقي بالمعنى بين الكلمات في القرآن المختلفة بالمبنى، حيث لكل كلمة دلالتها الخاصة.

 

     قواعد منهج دراسة القرآن

شحرور يقدم مجموعة من القواعد المنهجية لدراسة القرآن، منها:

  1. الترتيل: يقصد به جمع النصوص التي تتعلق بموضوع واحد من مساحة النص القرءاني ومن ثم دراستها كمنظومة متماسكة وهو ما يعرف بالتفسير الموضوعي
  2. التقليم: يقصد به تصنيف وتمييز النصوص موضوعياً وترتيبها وفق الأولوية الزمانية بواسطة العلم

 

 النظرية المعرفية

فيما يتعلق بالنظرية المعرفية، يوضح شحرور أن  القرءان يحتوي نظرية معرفية كاملة عن الكون والحياة و الإنسان وينبثق منها منظومة قيم وأخلاق. ويرى أن القرآن يدعو إلى البحث والتفكر المستمرين، مما يعني أن المعرفة تتطور مع الزمن وتتغير بتغير الظروف والمعلومات المتاح، وحرية الإنسان تتوسع مع توسع علمه والعكس صواب.

 

    التطور

شحرور يتناول مفهوم التطور من منظور قرآني، مشيرًا إلى أن القرآن لا يتعارض مع فكرة التطور الطبيعي للكائنات. يرى أن القرآن يشجع على التأمل في خلق الله والبحث في سنن الكون، مما يعني أن التطور يمكن أن يكون جزءًا من هذه السنن.

 

   مفهوم الروح

أما عن مفهوم الروح، فيرى شحرور أنها ليست كيانًا ماديًا بل هي نفخة من الله تعطي الإنسان الوعي والعلم. ويؤكد أن الروح يتعلق بالجانب الروحي والأخلاقي للإنسان.

 

    علم الله

يتناول شحرور مفهوم علم الله بإسهاب، موضحًا أن الله عالم بكل شيء ، وهذا يعني أن اللاشيء لا يتعلق به علم ولا نفي علم، وبالتالي لم يتم تحديد مصير الناس في الآخرة ولم يتم تحديد عمر الإنسان ولا رزقه.

 

    الحرية

أما عن الحرية، فيرى شحرور أن القرآن يضمن الحرية للفرد في معتقداته وأفعاله. الحرية في الإسلام ليست مجرد حرية دينية، بل تشمل جميع جوانب الحياة. يؤكد شحرور أن الحرية هي أساس المسؤولية، حيث لا يمكن للإنسان أن يكون مسؤولاً عن أفعاله إذا لم يكن حرًا في اختياراته، وكلما ازداد الإنسان علما كلما ازداد ت حريته، والحرية هي كلمة الله العليا.

 

الأرزاق

يتناول شحرور مفهوم الأرزاق في القرآن، موضحًا أن الله هو الرزاق ويقسم الأرزاق بين عباده بحكمة وعدل. والرزق مرتهن بعمل الإنسان وجده ليس محتومًا عليه مسبقًا ، والأرزاق ليست فقط الأموال والممتلكات، بل تشمل أيضًا الصحة، العلم، والسعادة. وأن الله يبارك في رزق من يسعى بجد وإخلاص.

 

الأعمار

فيما يتعلق بالأعمار، يوضح شحرور أن الله هو الذي يحدد أعمار الناس، وأن الإنسان له أجل كحد أعلى وأجل عملي يساهم الإنسان في إطالته أو تقصيره حسب نمط حياته والعناية بنفسه وصحته. والأعمار ليست فقط طول الحياة بالسنين، بل تشمل أيضًا نوعية الحياة والأعمال التي يقوم بها الإنسان. يؤكد شحرور أن الإنسان يجب أن يعمل للآخرة كما يعمل للدنيا، وأن يستغل وقته بشكل جيد في الخير والعمل الصالح.

النظرية الحدودية في التشريع

يرى الشحرور أن الشرع حتى يكون صالحا لكل زمان ومكان ينبغي أن ينزل بشكل كليات ويقوم على النظرية الحدودية التي تعني وضع حد أدنى للنظام الاجتماعي وترك الحرية بتجاوزه صعودا ليواكب المستجدات، وحد أعلى للعقوبات وترك تجاوزها نزولا  نحو الرحمة و الإنسانية ، وترك حرية التحرك للمجتمع وفق مصالحه .

 

الخاتمة

في ختام كتابه، يدعو شحرور المسلمين إلى إعادة قراءة القرآن بطريقة معاصرة وعقلانية، مشددًا على أن هذا النهج يمكن أن يسهم في إحياء الفكر الإسلامي وتحقيق تقدم حضاري. يرى أن الفهم التقليدي للقرآن قد أدى إلى جمود فكري وأن الوقت قد حان للتغيير.

 

نقد وتحليل

تعرضت أفكار شحرور للانتقاد من قبل العديد من العلماء والمفكرين التقليديين الذين يرون أن منهجه يتعارض مع الفهم الأصولي للإسلام. ومع ذلك، حظيت أفكاره بدعم من بعض المفكرين الذين يرون في قراءته المعاصرة فرصة لتجديد الفكر الإسلامي وإخراجه من حالة الجمود.

 

تأثير الكتاب

أحدث كتاب “الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة” ضجة كبيرة في الأوساط الفكرية والدينية، حيث أنه فتح باب النقاش حول العديد من المفاهيم التقليدية وقدم بدائل تفسيرية جديدة. يُعتبر الكتاب أحد الأعمال الرائدة في مجال التجديد الديني والفكري في العالم الإسلامي.

في النهاية، يمكن القول إن محمد شحرور قدم في كتابه “الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة” رؤية جديدة لفهم النصوص القرآنية، تعتمد على العقلانية والمعاصرة. يدعو شحرور إلى إعادة النظر في العديد من المفاهيم التقليدية وتطبيق تعاليم القرآن بطريقة تتماشى مع متطلبات العصر الحديث، مما يجعله أحد المفكرين البارزين في مجال التجديد الديني في العالم الإسلامي.

أعلى النموذج

أسفل النموذج