تحليل فكر فولتير ونقد مسرحيته محمد

فولتير (1694-1778) هو فيلسوف وكاتب فرنسي عاش في عصر التنوير، وقد عُرف بانتقاده للمؤسسات التقليدية، بما في ذلك الدين. كان فكر فولتير يقوم على المبادئ العقلانية والحرية الفردية، واعتبر أن التعصب الديني والجهل هما مصدر الكثير من الشرور في العالم. من خلال أفكاره، سعى فولتير إلى تعزيز التسامح الديني والفكر الحر، منتقدًا بشدة تدخل الكنيسة في شؤون الدولة والحياة العامة.

   موقف فولتير من الدين:

فولتير لم يكن ملحدًا تمامًا؛ بل كان يعتبر نفسه “ربوبيًا” (Deist)، أي أنه يؤمن بوجود خالق ولكن لا يؤمن بالأديان المنظمة والطقوس الدينية. كان يرى أن الله هو المبدأ العقلاني والنظام الكوني، لكنه كان يرفض الفكرة التقليدية للإله الذي يتدخل في شؤون البشر بشكل مباشر. كان لديه موقف نقدي تجاه جميع الأديان المنظمة، ورأى أن التعصب الديني أدى إلى الحروب والاضطهاد، ولهذا دعا إلى التسامح الديني وقبول التنوع الديني. كانت فكرة فولتير عن التسامح مبنية على أن الحقيقة الدينية يجب أن تخضع للعقل والاختبار النقدي، وليس فقط للإيمان الأعمى.

    تحليل مسرحية فولتير وتهجمه على الإسلام والنبي محمد:

كتب فولتير مسرحية بعنوان “محمد” (Le Fanatisme, ou Mahomet le Prophète) في عام 1741، حيث صور فيها النبي محمد كشخصية تتسم بالاستغلال والتعصب. قدم النبي محمد كشخصية تستغل الدين للوصول إلى السلطة والسيطرة على الآخرين، مستخدمًا الدين كوسيلة لتبرير أعمال العنف والقتل. كانت المسرحية جزءًا من مشروعه النقدي ضد التعصب الديني، إلا أنها لاقت انتقادات واسعة بسبب رؤيتها المشوهة للإسلام والنبي محمد.

     نقد التناول الفولتيري للإسلام والنبي:

  1. عدم التمييز بين الإسلام كدين، والمسلمين كممارسين: في تناوله للإسلام، لم يميز فولتير بوضوح بين النصوص الدينية الأساسية، مثل القرآن، وبين التاريخ والتراث الثقافي والسياسي للمسلمين. استخدامه لكلمة “الإسلام” عوضًا عن “المسلمين” كان يعمم على الدين نفسه أخطاء أو أفعال بعض الأفراد أو الجماعات التاريخية. في الواقع، توجد فجوة كبيرة بين تعاليم الإسلام كمبدأ ديني وبين تصرفات المسلمين عبر التاريخ، والتي قد تتأثر بعوامل ثقافية وسياسية.
  2. الاعتماد على المصادر التاريخية الغربية عن الإسلام: استند فولتير في نقده للإسلام والنبي محمد على المصادر الغربية التي كانت تعتمد بشكل كبير على كتابات المستشرقين الأوروبيين المعادية، والتي غالبًا ما كانت تحتوي على تحريفات وأخطاء في فهم النصوص الإسلامية والسياقات التاريخية. استخدم فولتير هذه المصادر دون نقد كافٍ أو محاولة للفهم الأعمق للتعاليم الإسلامية الأصلية، مما أدى إلى تقديم صورة مشوهة عن الإسلام والنبي محمد.
  3. التعامل مع التراث وكأنه حقائق ثابتة: اعتمد فولتير في هجومه على الروايات التاريخية والإسلامية، وتعامل معها كحقائق مطلقة دون التفريق بين المصدر الديني الأصلي (القرآن) وبين التراث التاريخي (السيرة النبوية، الأحاديث، وغيرها). القرآن يمثل المصدر الأساسي للتعاليم الدينية في الإسلام، بينما يمثل التاريخ والتراث منتجًا بشريًا قد يتضمن جوانب غير دقيقة أو خاضعة للتحيزات الثقافية والاجتماعية. هذا الخلط أدى إلى تقديم صورة مغلوطة للإسلام في مسرحيته.
  4. استخدام المسرحية كأداة للانتقاد العام للتعصب الديني: مع أن فولتير استخدم شخصية النبي محمد لانتقاد التعصب الديني بشكل عام، إلا أن اختيار هذه الشخصية تحديدًا كان مثيرًا للجدل ويعكس تحيزًا ضد الإسلام، خصوصًا في سياق أوروبا في القرن الثامن عشر، حيث كانت التصورات السلبية عن الإسلام شائعة. كان يمكن لفولتير أن يركز على الفرق بين التعاليم الدينية الثابتة والممارسات التاريخية المتغيرة التي قد تكون خاطئة أو منحرفة.

    الخلاصة:

رغم أن فولتير كان يعبر عن قيم التسامح والحرية الفكرية، إلا أن تناوله للإسلام والنبي محمد في مسرحيته “محمد” يظهر افتقارًا للفهم العميق للإسلام. ولم يميز بوضوح بين تعاليم الإسلام كمصدر ديني وبين التراث التاريخي للمسلمين، مما أدى إلى تعميم غير دقيق. كان من الأجدر أن يتناول قضايا التعصب والتاريخ الديني بمزيد من الدقة والتفريق بين المصدر الديني والسياقات البشرية التاريخية.