الفرق بين الدهر والزمن

يعد “الدهر” من المفاهيم الذي يحمل دلالات عميقة ومعقدة في اللسان والفكر الفلسفي والديني، ويتطلب فهمه دراسة متأنية تدمج بين التحليل اللساني، المنطقي، القرآني، والفيزيائي. يُستخدم الدهر في اللسان للإشارة إلى الزمن الممتد وغير المحدد، بينما في الاصطلاح الفلسفي والديني، يتخذ بعدًا معنويًا يعبر عن حركة وتدافع الأحداث، وهو ما يمكن فهمه بشكل أعمق عندما نربطه بمفهوم الزمن كتوصيف معنوي لمرور الأحداث.

وكلمة الزمن لم يتم استخدامها في القرءان وإنما تم استخدام كلمة الوقت، والفرق بين الزمن والوقت هو أن الزمن مفهوم تجريدي مثل الأرقام الحسابية مفهوم ذهني، بينما الوقت مفهوم زمني يرتبط باستغراق بدء حصول فعل وانتهائه فهو مثل الأعداد الحسابية مفهوم يرتبط بالشيء المعدود.

التحليل اللساني لكلمة الدهر

تحليل كلمة “الدهر” لسانياً من خلال تفكيك مكوناتها الصوتية:

  1. الدال: يشير إلى حركة دفع قوية، تمثل في هذا السياق البداية أو انطلاق حركة بقوة.
  2. الهاء: يفيد الانتقال الخفيف أو التأرجح، مما يعبر عن انتقال الحركة بين الأحداث أو الأحوال.
  3. الراء: يدل على التكرار، وهي تدل على تكرار الحركة وعدم توقفها وليست مجرد دفعة واحدة، بل هي سلسلة متكررة من التغيرات والتأرجحات.

بالتالي، يمكن أن يُفهم “الدهر” لسانياً على أنه وصف لتقلبات الحركة المتتابعة والمتتالية تراتبياً بتكرار التي تدفعها الأحداث، مع تعاقب مستمر وتنقل متكرر بين حالات مختلفة.

التحليل المنطقي

من الناحية المنطقية، يمكن النظر إلى الدهر على أنه إطار توصيفي للحركة والتغير. وإذا كانت الحركة هي البُعد الطبيعي للمادة، حيث لا توجد حركة بدون مادة تتحرك، فإن الدهر هو بعد توصيفي شيئي يعبر عن كيفية تدافع هذه الحركة في الواقع، وفقًا لهذا المنظور، فالدهرليس جزءًا ماديًا من طبيعة الأشياء مثل الطول والعرض والارتفاع، بل هو بُعد توصيفي معنوي لازم للحركة.

و مفهوم الزمن أتى من تجريد مفهوم الدهر وفصله عن الحركة ، فالزمن ليس جزءاً من المادة مثل دلالة كلمة الوقت فهي توصيف لازم لحركة المادة ضرورة ، لذلك، الزمن هو بُعد  تجريدي معنوي للوقت أو الدهر، بينما الدهر هو حركة الأحداث التراتبية المتتالية ، حيث إنه يمثل التتابع والتغير بين نقطة زمنية وأخرى.

التحليل القرآني

في السياق القرآني، يُذكر الدهر ضمن سياق وصف طويل للتغيرات والحركات التي تحدث ، مثل قوله تعالى: هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا (الإنسان: 1). يشير النص القرآني هنا إلى حقبة أحداث مضت ممتدة، ليست محددة بدقة، ولكنها معروفة بتعاقب الأحداث. ويتضمن مفهوم الدهر في القرآن عنصرًا من الدوام والاستمرارية التي يمر بها الإنسان والأحداث من حوله، ويشير إلى القوة التي تتحكم في التغير المستمر.

يتعامل القرآن مع الدهر باعتباره نطاقًا شاملاً يجمع بداخله جميع التحولات الحركية والحوادث، وبالتالي، يتضمن فكرة التكرار والاستمرارية التي تحدث خلال الواقع. وبهذا، يتماشى مع التحليل اللساني، حيث يُعبّر عن حركة الأحداث كمفهوم غير مادي ولكن محسوس من خلال تأثيراته.

التحليل الفيزيائي

في الفيزياء الحديثة، يُفهم الزمن على أنه بُعد رابع يضاف إلى الأبعاد الثلاثة المكانية (الطول، العرض، والارتفاع) ليكوّن ما يُعرف بالزمكان. ومع ذلك، يختلف الزمن عن الأبعاد المادية في كونه بعدًا معنويًا  تجريدياً يصف كيفية مرور الأحداث بدلاً من أن يكون جزءًا ماديًا منها. الزمن يظهر كمفهوم ذهني نتيجة لوجود الحركة، حيث يُستخدم لتوصيف ترتيب الأحداث وتعاقبها، بدلاً من أن يكون له وجود مادي مستقل.

من خلال هذا الفهم، يتضح أن “الدهر” يشمل الحركة والزمن مع بعض، وما يترتب عليها من تغيرات وتكرار مستمر. إنه يعبر عن تدافع هذه الحركة وتأثيراتها على الأشياء، مما يعطي معنى للدهركبعد معنوي، بينما الزمن هو تجريد الوقت من الدهر وفصله عن الحركة نستخدمه لقياس تلك التغيرات، دون أن يكون جزءًا ماديًا من طبيعة الأشياء.

العلاقة بين الدهر والزمن

بناءً على التحليلات السابقة، يمكن أن نستنتج أن الدهر يمثل الأساس المفاهيمي الذي يجمع الحركة والوقت مع بعض والتغيرات، يمكن من خلاله  تجريد فهم الزمن كتعبير عن تكرار الأحداث واستمرارها.

الزمن، بالمعنى الاصطلاحي، هو توصيف معنوي لجزء من مفهوم الدهر، أي أنه ينشأ عن تدافع حركة الأحداث وتكرارها. الدهر هو الإطار الشامل لحركة الأحداث وتعاقبها، والزمن هو وسيلة لقياس هذا التعاقب وترتيبه.

هذا التمييز بين الدهر والزمن يساعد في توضيح أن الزمن ليس مكونًا ماديًا للأشياء، بل هو بعد توصيفي يصف ديناميكية الوجود وحركة المادة. كما أن الحركة ليست جوهرًا ماديًا في المادة، بل هي صفة تتطلب وجود المادة لتظهر، فإن الزمن أيضًا ليس جوهرًا ماديًا بل صفة تتطلب وجود الحركة لتُدرك.

الخاتمة

يعتبر الدهر مفهومًا غنيًا يجمع بين الأبعاد اللسانية والمنطقية والدينية والفيزيائية، ليقدم فهمًا متكاملًا لحركة الأحداث. إنه يعبر عن تدافع الزمن واستمراره من خلال تكرار التغيرات، مما يؤدي إلى إدراك الزمن كبعد معنوي توصيفي للحدث وليس جزءًا ماديًا من طبيعة الأشياء. هذا الفهم يعزز رؤية الزمن باعتباره بُعدًا لازمًا للوجود والحركة اصطلاحاً، ومفتاحًا لفهم كيفية تعاقب الأحداث وترتيبها في إطار الحياة والكون.

ولاشك أن الذي يتحكم بالدهر هو الله الخالق المدبر ووجوده مغاير لمنظومة الدهر بمعنى منزه عن الحركة وما يترتب عليها من زمن يعني لا ينطبق عليه مفهوم الدهر.

وبذلك يكون اتضح لنا قصد الكفار بقولهم : ( ما يهلكنا إلا الدهر ) التي تم تفسيرها تساهلاً ومآلا بمعنى الزمن وهو جزء من مفهوم الدهر.