وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى

“فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” يتعامل النص مع مفهوم السببية والفعل ضمن إطار السنن الإلهية التي تحكم الكون والوقائع. يمكن دراسة النص من منظور منطقي ونظام الله السنني لفهم كيفية ارتباط الأفعال الإنسانية بالتأثيرات الإلهية.

التحليل وفق نظام الله السنني:

  1. مفهوم السنن الإلهية:
    • يشيرالقرآن إلى أنه يوجد سننًا كونية واجتماعية تحكم العالم، وهي القوانين التي وضعها الله لتنظيم حركة الأحداث والعلاقات. هذه السنن تعمل بشكل منتظم ويمكن للإنسان فهمها والتفاعل معها. السنن الإلهية هنا تتعلق بعوامل النصر والهزيمة، وكيفية تأثير الرعب أو الشجاعة في تحقيق النتائج.
  2. دور الإنسان والعوامل المعنوية:
    • النص يثبت بأن المسلمين باشروا فعل القتل (“فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ”)، ولكن السببية النهائية ترتبط بعوامل أخرى، منها قذف الخوف والرعب في قلوب الأعداء، مما جعلهم ضعفاء أمام الهجوم الإسلامي. هذا يشير إلى أن الأفعال الإنسانية وحدها ليست كافية لتحقيق النتائج، بل تدخل السنن الإلهية في الأحداث يكون له دور حاسم.
  3. العلاقة بين الفعل الإنساني والتأثير الإلهي:
    • في حالة الرمي، يوضح النص أن الرمي قد حدث فعليًا (“إِذْ رَمَيْتَ”)، لكن الأثر الفعّال للرمي الذي أدى إلى النتيجة النهائية كان بسبب فعل الله (“وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى”). وفقًا لنظام السنن، يمكن فهم ذلك بأن العوامل النفسية والمعنوية التي أوجدها الله (مثل الرعب أو الخوف في قلوب الأعداء) سهلت تأثير الفعل الإنساني.

{وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً }الأحزاب26

 

التحليل المنطقي:

  1. تحليل السببية:
    • من منظور منطقي، الفعل الإنساني (القتل أو الرمي) هو “السبب القريب” الذي أدى إلى النتيجة. لكن يوجد “سبب بعيد” أو “سبب عميق” يتعلق بالعوامل التي تؤثر في السياق الكلي للحدث. في هذه الحالة، التدخل الإلهي في شكل الخوف والرعب في قلوب الأعداء هو السبب العميق الذي مهد الطريق لتحقيق النتيجة.
  2. التمييز بين الفعل الظاهري والفعّال:
    • النص يميز بين “الفعل الظاهري” (مثل الرمي أو القتل الذي قام به المسلمون) و”الفعل الفعّال” (وهو التأثير العميق الذي أوجده الله). هذا التمييز مهم في فهم أن النتيجة ليست مرتبطة فقط بالفعل المادي، بل بما يترافق معه من شروط وملابسات سننية.

الارتباط بالسنن الإلهية:

  • السنن الإلهية تشمل الجوانب النفسية والمعنوية للأطراف المتصارعة. الله قد يجعل الخوف والاضطراب في قلوب الأعداء أو الشجاعة والثبات في قلوب المؤمنين. في هذا السياق، النصر ليس نتيجة للقوة المادية وحدها، بل نتيجة لتداخل العوامل المادية والمعنوية ضمن إطار السنن.

الخلاصة:

النص “فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى” يرتبط بنظام السنن الإلهية التي تنظم العلاقات بين الأسباب والنتائج. المسلمون قاموا بالأفعال المادية (القتل والرمي)، لكن ما جعل هذه الأفعال تحقق النتيجة المرجوة هو تدخل الله من خلال خلق ظروف نفسية ومعنوية مؤثرة (مثل الرعب والخوف في قلوب الأعداء). النص يؤكد على أن الفعل الإنساني وحده غير كافٍ لتحقيق النتيجة، بل يجب أن يكون متزامنًا مع التقدير الإلهي والشروط السننية.