“والرعد يسبح بحمده”

           يشكل القرآن الكريم مصدرًا أساسيًا للتفكر والتدبر في حياة المسلمين، حيث يحمل في طياته إشارات ودلالات عميقة تتعلق بوجود الكون وأحكامه، ومفهوم العبادة والتسبيح كجزء أساسي من هذا الوجود. ومن بين هذه المفاهيم البارزة يأتي مفهوم التسبيح، والذي يظهر في العديد من الآيات القرآنية، منها الآية “والرعد يسبح بحمده” (الرعد: 13).

     أولًا: تحليل لساني لمفهوم التسبيح

     كلمة “يسبح” مشتقة من الفعل “سبح”، والذي يدل على حركة حرة مجتمعة باستقرار وتنتهي بحركة متغيرة أو منتقلة بتوسع منضبط. في اللسان العربي، تستخدم كلمة “سبح” للتعبير إلى السباحة في الماء، حيث تتطلب الحركة انسجامًا بين الأعضاء وقوة الدفع لتحقيق التوازن. ومن هنا، إن التسبيح لله يتضمن حركة وانتقال وتغير في المادة بتوسع وانضباط ، وبالنسبة للعاقل يضاف إليها مفهوم تنزيه الله عن صفات المادة وعن كل نقص، وتأكيد كماله وقدرته.

في الاستخدام القرآني، يظهر التسبيح بوصفه فعلًا شاملًا يقوم به كل المخلوقات: الأحياء وغير الأحياء، العاقل وغير العاقل. يُقال في الآية {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (الجمعة: 1)، مما يبين أن التسبيح يمتد ليشمل كل شيء في الوجود، سواء كان واعيًا أو خاضعًا لقوانين الله وسننه دون إدراك منه.

ثانيًا: دلالات كلمة “الحمد” في النص القرآني

تعبير “الحمد لله” يعبر عن الاعتراف بالسيطرة الإلهية المطلقة والنظام المتكامل في الكون، حيث يُظهر ارتباط الحمد بالنظام الإلهي في كل شيء. يتكون التحليل الصوتي لكلمة “الحمد” من عدة حروف:

  • “ح” تدل على حركة انتقالية متغيرة. منضبطة
  • “م” تعبر عن حركة ضم وجمع متصل.
  • “د” تعني الدفع بقوة.

هذا التحليل يدل على أن كلمة “الحمد” تجمع بين الحركات المختلفة للكون في نظام منضبط تنتهي بدفعة قوية  يكون الله هو الدافع لها والمحرك .

ثالثًا: تحليل النص “والرعد يسبح بحمده

يتضح من الآية {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} (الرعد: 13) أن التسبيح هنا يحمل دلالة خاصة تتعلق بالظواهر الكونية مثل الرعد. التسبيح في هذا السياق لا يعني النطق أو الكلام، بل يشير إلى خضوع الكون بأكمله لنظام الله وقوانينه، حيث يتبع الرعد نظامًا محددًا وجزءًا من تسبيحه هو هذا الخضوع الدقيق لأوامر الله.

رابعًا: الرؤية والتفكر في التسبيح

ترتبط كلمة “ترى” في النصوص القرآنية بالرؤية العقلية والتفكر العميق، كما في قوله {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (النور: 41). هذه الرؤية ليست مجرد نظر، بل هي توجيه للعقل لفهم العلاقات والسنن الكونية التي وضعها الله.

كما أن العلاقة بين “الصلاة” و”التسبيح” تظهر من خلال فهم النص {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} (النور: 41)، إذ تشير إلى أن لكل مخلوق دوره ونظامه المحدد في الكون، والذي يعتبر تسبيحًا لله.

خامسًا: الأنظمة الكونية ودلالاتها في التسبيح

يعبر القرآن عن الكون كنظام متكامل يخضع لقوانين محكمة، حيث تتحرك الكواكب والنجوم وفقًا لنظام دقيق، كما يظهر في قوله {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (الأنبياء: 33). هذه الحركة المستمرة تشكل جزءًا من تسبيح الكون، وهو تسبيح خلقي يجسد الخضوع لأوامر الله.

سادسًا: التسبيح الواعي وغير الواعي

يُفرِّق القرآن بين التسبيح الواعي الذي يقوم به الإنسان بصفته كائنًا عاقلًا مكلفًا، وبين التسبيح غير الواعي الذي تقوم به بقية المخلوقات. يظهر ذلك في استخدام “من” للعاقل و”ما” لغير العاقل، مما يعكس التنوع في أشكال التسبيح ومظاهره.

الخاتمة

تظهر من خلال هذه الدراسة العلاقة الوثيقة بين التسبيح والنظام الكوني في القرآن الكريم، حيث يعبر عن تسبيح المخلوقات كلها لله، سواء كانت عاقلة أو غير عاقلة، وفقًا لأنظمتها وسننها. تسبيح الرعد بحمد الله يعكس التزام الكون بالسنن الإلهية، ويوضح كيف أن النظام الكوني بأكمله هو تجلٍّ لتمجيد الله وتقديسه.

يُشجع الإنسان، من خلال فهمه للتسبيح الكوني، على الالتزام بدوره في الكون بالتناغم مع الأنظمة الأخرى، مما يعزز وعيه الروحي وعلاقته بالخالق.