مريم بنت عمران والمسيح وقومه

ذكرالقرآن الكريم، أن مريم بنت عمران كان لها قوم تنتسب إليهم بوضوح، حيث جاء النص القرآني ليؤكد انتماءها لمجتمع محدد. قال الله تعالى:

فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا”  (سورة مريم: 27).

هذا يدل على أن مريم كانت تعيش ضمن مجتمع أو قوم عرفوها وعرفوا عائلتها، وأنها كانت جزءًا لا يتجزأ من هذا المحيط الاجتماعي. القوم في هذا السياق يشير إلى الجماعة التي تعيش معهم مريم، وليس بالضرورة أن يشترط أن يكون الانتماء إلى القوم قائمًا على النسب المباشر أو الدم.

مفهوم القوم:

القوم في اللسان العربي يُشير إلى جماعة من الناس يجتمعون في مكان أو زمن معين، ويشتركون في حياة اجتماعية أو ثقافية. في القرآن الكريم، كلمة “قوم” لا تشير دائمًا إلى علاقة نسب أو ذرية، بل إلى مجموعة من الناس الذين يعيشون في إطار مجتمع مشترك. على سبيل المثال، في قصص الأنبياء مثل لوط ونوح، نجد أنهم خاطبوا أقوامهم، على الرغم من عدم اشتراكهم في النسب معهم.

مريم وعلاقتها بقومها:

من خلال الآية الكريمة المذكورة أعلاه، يتضح أن مريم بنت عمران كانت جزءًا من مجتمعها، وأن قومها كانوا يعرفونها جيدًا ويعرفون أسرتها. عندما حملت ابنها عيسى عليه السلام، خاطبها قومها قائلين:

يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا” (سورة مريم: 28).

هذا الخطاب يعكس معرفتهم الوثيقة بمريم وعائلتها وسمعتها الطيبة. ومن هنا، نعلم أن مريم كانت جزءًا من هذا المجتمع، حتى وإن لم تكن بالضرورة من نفس الذرية أو النسب المباشر، فهي جزء لا يتجزأ من القوم الذين تعيش بينهم.

 

                                 المسيح عيسى عليه السلام وقومه

عيسى عليه السلام، مثل والدته مريم،{فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً }مريم27، كان له قوم ينتمي إليهم وهم قوم أمه،. والنص القرآني يؤكد أن عيسى عليه السلام كان رسولًا موجهًا إلى بني إسرائيل، كما قال تعالى:

وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ “ (سورة آل عمران: 49).

بناءً على هذا النص، عيسى عليه السلام كان مرتبطًا ببني إسرائيل كقوم له، وكان مرسلًا إليهم جميعًا. يُفهم من الآية أن عيسى عليه السلام كان له قوم يعيش بينهم ويخاطبهم، وهم مجتمع بني إسرائيل، الذي عاشوا كأمة متنوعة في عدة تجمعات، وهو أُرسل لهم جميعًا وليس إلى جزء منهم فقط.

لماذا لم يستخدم المسيح عبارة “يا قوم”؟

من الملاحظ أن عيسى عليه السلام لم يستخدم في القرآن عبارة يا قوم، كما استخدمها بعض الأنبياء الآخرون. قد يكون لذلك تفسيرات متعددة ومنطقية:

  1. الانتماء إلى بني إسرائيل كأمة واحدة: عيسى عليه السلام كان يُخاطب بني إسرائيل بشكل مباشر و أرسل إليهم، ونجد أن عيسى كان يستخدم عبارة يا بني إسرائيل بدلاً من “يا قوم”، مما يعكس أن خطابه كان موجهًا للأمة ككل وليس إلى قبيلة أو مجموعة صغيرة.

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ  (سورة الصف: 6).

من هنا، كان تركيزه على مخاطبة بني إسرائيل كأمة متكاملة، لأنه أُرسل إليهم جميعًا برسالة إصلاحية ودعوة للتوحيد.

  1. الآية في ولادته: ولادة عيسى عليه السلام كانت آية من الله، حيث وُلد بدون والد بشري. رغم هذه الآية الفريدة، فإن هذا لا ينفي أن له قومًا، وهم قوم والدته مريم. وعدم وجود والد لم يكن له تأثير في كونه ينتمي إلى قوم، لأن الانتماء إلى القوم لا يتطلب وجود والد بالمعنى البيولوجي، بل قد يكون الانتماء ثقافيًا واجتماعيًا.
  2. رسالة عيسى الشمولية لبني إسرائيل: عيسى عليه السلام كان مرسلًا إلى بني إسرائيل ككل، وليس إلى فئة أو جزء صغير منهم. استخدامه لعبارة “يا بني إسرائيل” يعكس هذا البعد الشمولي، حيث كان يخاطب الجميع دون استثناء. بينما بعض الأنبياء استخدموا “يا قوم” لأن رسالتهم كانت موجهة إلى مجتمعات أو قبائل محددة.

الخلاصة:

  • مريم بنت عمران كان لها قوم تعيش بينهم وتنتسب إليهم اجتماعيًا، وهو ما أثبته القرآن الكريم في قصة حملها بعيسى عليه السلام.
  • عيسى عليه السلام كان له أيضًا قوم، وهم بني إسرائيل الذين أرسل إليهم كنبي. رغم أنه وُلد بدون والد بشري كآية من الله، فإن ذلك لا ينفي انتماءه لقوم والدته مريم.
  • عدم استخدام عيسى لكلمة “يا قوم قد يعود إلى طبيعة رسالته التي كانت موجهة لجميع بني إسرائيل كأمة، وكذلك إلى الآية الخاصة بولادته، لكنه كان ينتمي إلى قوم، وهم قوم والدته مريم الذين كانوا جزءًا من بني إسرائيل.