مفهوم الواجب والمستحيل والممكن

يُعد مفهوم الواجب والمستحيل والممكن من المواضيع المركزية في الفلسفة، خصوصًا في إطار المنطق وفلسفة الميتافيزيقا. هذه المفاهيم تركز على تحديد طبيعة العلاقة بين الكيانات أو الأحوال الممكنة وتلك المستحيلة أو الضرورية. يستند هذا التمييز إلى مناهج متعددة مثل المنطق الصوري، والميتافيزيقا.

أولاً: الواجب (الضرورة)

الواجب أو الضرورة يشير إلى ما يجب أن يكون صحيحًا في جميع الأحوال والظروف ولا يمكن أن يكون خلاف ذلك. بكلمات أخرى، الواجب هو ما يستحيل أن يكون غير صحيح أو غير موجود. في المنطق، يُعبّر عن الواجب بالقضايا التي لا يمكن أن تكون خاطئة تحت أي ظرف.

الأمثلة:

  • في الرياضيات، الحقيقة القائلة بأن “2 + 2 = 4 هي حقيقة ضرورية، أي إنها صحيحة في جميع الظروف بغض النظر عن أي شروط خارجية.
  • في الفيزياء، قوانين الطبيعة مثل قانون الجاذبية تُعتبر “ضرورية” ضمن العالم الطبيعي؛ أي إن جميع الأجسام تخضع لهذا القانون بغض النظر عن موقعها أو حالتها.

في الفلسفة:

أرسطو وغيره من الفلاسفة أكدوا على أن الضرورة ترتبط بطبيعة الكيانات؛ فالمثلث مثلاً لا يمكن أن يوجد بدون ثلاثة أضلاع. وبالتالي، فإن “المثلث له ثلاثة أضلاع” هو واجب أو ضرورة.

ثانياً: المستحيل

المستحيل يشير إلى ما لا يمكن أن يحدث أو يتحقق في أي ظرف من الظروف. هذا يشمل الأمور التي تتناقض مع القوانين المنطقية أو القوانين الطبيعية. المستحيل يتعارض مع المبادئ الأساسية للمنطق أو التجربة الحسية.

الأمثلة:

في الرياضيات، القضية “2 + 2 = 5” هي مستحيلة، لأنها تتناقض مع المبادئ الرياضية المعروفة.

في الفيزياء، يستحيل أن يوجد جهاز يولد طاقة من لا شيء أو آلة يمكنها أن تولد طاقة من دون أن تستمدها من مصدر طاقة آخر. أي ادعاء بوجود مثل هذه الآلة يعد انتهاكًا للقانون الأول للديناميكا الحرارية، وهو مستحيل فيزيائيًا.

هذا المثال يمثل استحالة فيزيائية لأنها تتعارض مع القوانين الأساسية التي تحكم الكون.

  • في الفلسفة:

يتحدث الفلاسفة عن استحالة “المتناقضات” مثل فكرة وجود “دائرة مربعة”. هذه الحالات مستحيلة لأنها تنتهك قوانين الهوية وعدم التناقض.

ثالثاً: الممكن

الممكن يشير إلى ما يمكن أن يحدث أو يتحقق في ظروف معينة، لكنه ليس بالضرورة أن يحدث في جميع الأحوال. يتميز الممكن بأنه ليس ضروريًا (ليس واجبًا)، لكنه أيضًا ليس مستحيلاً. يمكن للممكن أن يكون صحيحًا في بعض الظروف وغير صحيح في ظروف أخرى، وليس كل ممكن هو حاصل ولكن الحاصل هو ممكن ضرورة ، وهذا يعني أن مجال الإمكان واسع ومفتوح للتعلم و الدراسة وهو يشكل حافز للباحثين والعلماء للدراسة واكتشافه أو اختراعه، بينما نفي الإمكانية هو إغلاق للعلم والدراسة.

الأمثلة:

  • سقوط الأمطار هو ممكن؛ قد يحدث تحت ظروف مناخية معينة ولكنه ليس واجبًا. لا يحدث دائمًا ولكنه ممكن في أوقات محددة.
  • النجاح الأكاديمي هو ممكن لكل طالب، لكنه يعتمد على العديد من العوامل مثل الجهد الشخصي وظروف التعليم. ليس من الضروري أن ينجح كل طالب، لكنه ليس مستحيلاً.

في الفلسفة:

الممكن يدرس في سياق نظرية العوالم الممكنة، حيث يمكن تصور عدد لا حصر له من العوالم التي تحدث فيها احتمالات مختلفة عن عالمنا. على سبيل المثال، في عالم ممكن قد يكون هناك كائنات تختلف في بنيتها البيولوجية عما نعرفه، لكن ذلك لا يتعارض مع المنطق أو القوانين الطبيعية.

التفاعل بين المفاهيم الثلاثة

هذه المفاهيم ترتبط بشكل وثيق ببعضها البعض، وغالبًا ما تُستخدم لتحليل طبيعة القضايا والأحكام. ما يكون واجبًا في عالم قد يكون ممكنًا فقط في عالم آخر، وما هو مستحيل في عالم ما قد يكون مقبولًا في ظروف أخرى.

التطبيقات العملية لهذه المفاهيم

في الحياة اليومية، يمكن أن نجد تطبيقات لمفاهيم الواجب والمستحيل والممكن في عدة مجالات:

  • في العلوم: يستخدم العلماء هذه المفاهيم لتحليل القوانين الطبيعية وتحديد ما يمكن تحقيقه في إطار القوانين الفيزيائية وما هو مستحيل.
  • في القانون: يُدرس ما هو واجب (كالالتزام بالعقود) وما هو مستحيل (تنفيذ شرط غير قانوني).
  • في الأخلاق: يُحلل الفلاسفة الأخلاقيون ما هو واجب أخلاقي (مثل عدم إيذاء الآخرين) وما هو ممكن أخلاقيًا (مثل مساعدة الغير).

خاتمة

تمثل مفاهيم الواجب والمستحيل والممكن إطارًا فلسفيًا ومنطقيًا لتحليل الطبيعة والوجود والقوانين الأخلاقية والطبيعية. فهم هذه المفاهيم يساعدنا على وضع الحدود العقلانية لما يمكننا تحقيقه وما يجب أن نطمح إليه وما يستحيل تحقيقه. لكل من هذه المفاهيم تطبيقات واسعة في مختلف العلوم والفلسفات، ما يجعلها أدوات أساسية لتحليل العالم وفهمه بشكل أعمق.