فيزياء الوجود وأقسامها

     الفيزياء هي علم يختص بدراسة الطبيعة وقوانينها، وكيفية تفاعل المواد والطاقة في الكون. إنها العلم الذي يسعى لفهم الآليات التي تحكم العالم من حولنا، سواء كانت على المستوى الكوني الواسع أو على مستوى الجسيمات الصغيرة التي تشكل كل شيء. تتنوع الفيزياء إلى عدة أقسام، كل منها يختص بمستويات معينة من الظواهر المادية والطاقة.

     الفيزياء التقليدية وفوق الذرية:

      الفيزياء التقليدية هي المجال الذي يدرس القوانين الأساسية التي تتحكم في حركة الأجسام والطاقة على المستوى الكبير، مثل قوانين نيوتن للحركة، وقوانين الديناميكا الحرارية. هذا الفرع يركز على الفيزياء الكلاسيكية التي تشمل دراسة الأجسام الكبيرة من النجوم والكواكب إلى الأجسام التي نراها في حياتنا اليومية.

    فيزياء الكم وما دون الذرة:

     تعد فيزياء الكم (Quantum Physics) مجالًا مختلفًا تمامًا يركز على فهم الظواهر التي تحدث على مستوى الجسيمات دون الذرية، مثل الإلكترونات والبروتونات والفوتونات. في هذا العالم، تصير القوانين الفيزيائية التقليدية غير قابلة للتطبيق، حيث تسود الاحتمالات والمفاهيم غير العادية مثل التراكب الكمي والتشابك الكمي. هذا الفرع من الفيزياء يمثل ثورة في كيفية فهمنا للطبيعة العميقة للمادة والطاقة.

    فيزياء المادة المظلمة:

    المادة المظلمة هي مادة غير مرئية تشكل حوالي 85% من كتلة الكون. بالرغم من أن العلماء لم يستطيعوا حتى الآن رصد هذه المادة بشكل مباشر، إلا أن تأثيرها يكون واضحًا من خلال جاذبيتها التي تؤثر على حركة المجرات والأجسام السماوية. يعد هذا المجال من الفيزياء محورًا رئيسيًا في الدراسات الكونية الحديثة.

    فيزياء الطاقة المظلمة:

     الطاقة المظلمة هي قوة غامضة تعمل على تسريع توسع الكون. تشكل هذه الطاقة حوالي 70% من محتوى الكون. بينما المادة المظلمة تسهم في تماسك الكون، فإن الطاقة المظلمة تسعى لتفكيكه. التحدي الأكبر في هذا المجال هو عدم القدرة على فهم أو رصد هذه الطاقة بشكل مباشر، مما يجعل دراستها نظرية بامتياز.

    الفيزياء الغيبية والطاقية:

      الفيزياء الغيبية تعد من المجالات التي تتداخل مع العلوم الما ورائية. وهي تشمل دراسة الظواهر الغير مادية مثل خلق الملائكة، والنفس، والطاقات غير المرصودة علمياً. على الرغم من أن هذه الظواهر ليست قابلة للقياس بالأساليب العلمية التقليدية، إلا أن المنطق والفلسفات الدينية والقرآنية تشير إلى وجود عوالم أخرى غير مادية.

    التداخل بين هذه الأقسام والانتقال من مستوى إلى آخر:

    تشير بعض النصوص الدينية إلى وجود تداخل بين العوالم المادية والماورائية. على سبيل المثال، قصة تجسد الملائكة في القرآن الكريم، مثل ظهورهم للسيدة مريم عليها السلام في صورة بشرية، والملائكة الذين أتوا إلى النبي إبراهيم عليه السلام. قال تعالى في قصة مريم:

فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً” (مريم: 17)

وفي قصة النبي إبراهيم:

هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين. إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلام قوم منكرون” (الذاريات: 24-25).

تشير هذه القصص إلى قدرة الكائنات الروحانية على الانتقال إلى العالم المادي، وهو ما يمكن تفسيره بشكل فلسفي كقدرة على الانتقال بين مستويات مختلفة من “الفيزياء”. الملائكة، باعتبارهم كيانات طاقية غير مادية، يتخذون أشكالًا بشرية للتفاعل مع البشر، مما يشير إلى إمكانية انتقال الكيانات الطاقية إلى مستويات فيزيائية أعلى أو أدنى.

     المفهوم القرآني والإمكانات المرصودة وغير المرصودة:

القرآن يشير إلى أن هناك ظواهر تقع ضمن “الممكن” سواء كانت مرصودة أو غير مرصودة. قال تعالى:

وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً” (الإسراء: 85).

هذا يوضح أن الإنسان، رغم تطوره العلمي، لا يزال علمه محدودًا مقارنة بما يوجد في الكون من أسرار. الفيزياء الحديثة قد تستطيع تفسير بعض الظواهر، ولكنها لا تستطيع حتى الآن الوصول إلى كل مستويات الوجود الممكنة. على سبيل المثال، الفيزياء التقليدية تستطيع رصد حركة الأجرام السماوية، بينما فيزياء الكم تتعامل مع الجسيمات دون الذرية التي تحتاج إلى أدوات فائقة الدقة لرصدها. أما فيزياء المادة المظلمة والطاقة المظلمة فهي من ضمن “الممكن النظري”، الذي لم يتم رصده حتى الآن لكنه قد يتحقق في المستقبل.

   الإمكان النظري والزمن:

    من المهم الإشارة إلى أن الإمكانات التي لم يتم رصدها بعد قد تحتاج إلى زمن طويل جداً واستخدام أدوات علمية متطورة. قال تعالى:

سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق” (فصلت: 53).

هذه الآية قد تفسر على أن الله سيظهر للإنسان عبر الزمن آيات جديدة تزداد مع تطور العلم وقدرة الإنسان على الرصد، وهذا يتوافق مع الفكرة العلمية أن بعض الإمكانات قد تحتاج إلى وقت طويل جداً لاكتشافها بسبب قصر عمر الإنسان وأدواته العلمية الحالية.

    الخاتمة:

     في النهاية، يمكن القول أن الفيزياء بأقسامها المختلفة سواء التقليدية، أو الكمية، أو تلك التي تتعامل مع المادة والطاقة المظلمة، وحتى الفيزياء الغيبية، تشير إلى وجود تداخل بين العوالم المختلفة. هذه العوالم قد تكون من “الممكن” المرصود أو من الممكن النظري الذي يحتاج إلى مزيد من الزمن والأدوات لرصده.